الياس كوركيس أسم يجهله أغلب الناس حتى أنا لم أسمع به من قبل، المصادفة وحدها قادتني اليه وأنا أتصفح الرسائل التي إعتدت على متابعتها في مواقع التواصل الإجتماعي لأنها مرسلة من الصديق المغترب الدكتور يحيى البكاء، كانت إحداها أقرب منها الى المقال لفتت إنتباهي من سطورها الأولى ذلك لأنها بدأت بجملة: ” كانت الصين دولة شعبية فقيرة جدا وضعيفة لغاية عام 1977″.
في الحقيقة أستفزتني هذه المقدمة وتبادرت الى ذهني اسئلة عديدة، كيف تمكنت الصين من العبور الى الضفة الاخرى، وما الذي جعل اقتصادها يحطم الأرقام القياسية في نسب النمو والتطور، الخ من الأسئلة، ولكي يطلع القارئ على خلفيات واسرار التطور المذهل في الإقتصاد الصيني سأستعير ما كتبه فلاح القريشي من لندن:
“كانت الصين دولة شعبية فقيرة جداً وضعيفة لغاية عام 1977 وكانت أهم المنتجات الصناعية الرئيسية في البلاد هي (الغزل والأقمشة والفحم الخام والحبوب والقطن)، واليوم أصبحت الصين دولة صناعية عملاقة تفوقت على إنكلترا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها من الدول العريقة في مجال الصناعة والاقتصاد.
عام 1978، وبعد تولي “دينك هسياو ينك” الأب الروحي للنهضة الحديثة في الصين طلبَ من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم, الموافقة على التعاقد مع خبير تنمية إدارية واقتصادية عالمي للنهوض بالواقع الإقتصادي المتردي للصين الشعبية، وبعد رفض طلبه سبع مرات “لم يكل أو يمل” حتى في المرة الثامنة أقنعهم بفكرته ووافقت اللجنة.
وخاطب “دينك هسياو ينك” شخصياً عمادة كلية الإدارة والإقتصاد والسياسة في جامعة أكسفورد البريطانية, الأولى عالمياً في هذا التخصص, وأبلغهم عن رغبة الصين, بالتعاقد مع بروفيسور متخصص بالتنمية الإقتصادية والإدارية, للعمل مع الحكومة الصينية بصفة مستشار أول, ويُدفع له خمسة أضعاف راتبه الحالي مع إمتيازات إضافية آخرى كتذاكر السفر المجانية ثلاث مرات بالسنة وعطلة 60 يوما في السنة مدفوعة الثمن.
رفضت جامعة أكسفورد طلب “دينج هسياو ينك”, لكنه لم ييأس وعاودَ الكَرَةَ ثانيةً وعرض عليهم أن يدفع للكلية رواتب الأستاذ للسنة الماضة كلها, ووافقت العمادة على ذلك ونشرت اعلانا ووضعته في لوحة إعلانات الجامعة, وتقدم البروفيسور، العراقي الأصل إلياس كوركيس ووافق على العرض وذهب للصين, وأمرَ “دينك هسياو ينك” وزراء الحكومة الصينية بتنفيذ مايطلبهُ منهم الخبير كوركيس.
وبحسب دراسة جامعة أكسفورد البريطانية, فأن “التنمية الاقتصادية الصينية هي الأولى في العالم حاليا والفضل يعود للأستاذ السابق فيها البروفيسور العراقي الأصل إلياس كوركيس″.
كانت اولى خطوات كوركيس في الصين، هي التحول التدريجي إلى إقتصاد السوق، وفتح الباب أمام الإستثمارات الأجنبية وخاصة في مجال الصناعة، وقد حدد أربع نقاط أساسية لمشروعه مع حكومة الصين وهي:
أولاً: العمل من أجل حكومة نظيفة وأمينة ونزيهة.
ثانياً: تضيق الفجوة الإقتصادية بين شرق وغرب الصين بتبادل الخبرات المتوفرة.
ثالثا: العمل على تقليل التضخم بالعملة.
رابعاً: قام شخصياً بتدريب الوزراء على الإدارة والقيادة وتعلم الإنكليزية, ونقل الوزراء هذه التجربة إلى موظفي وزاراتهم.
بعد ثلاث سنوات من بداية عمله ووضعه خطة إستراتيجية لكل وزارة, أخذت تجربته الإصلاحية لإقتصاد الصين تظهر للعيان، وبعد خمس سنوات من عمله استطاعت الصين من بلورة مفهوم اقتصاد السوق الاشتراكي وخلق فضاءات أو جزر اقتصادية ليبرالية متعولمة من جهة اخرى، ومن جهة ثالثة عمل البروفيسور كوركيس على ربط الإقتصاد الصيني بالاقتصاد العالمي وتلك التجربة الحديثة سمحت للصين بالاندماج بدون أن تعاني الزلازل التي تواكب عادة التحول من اقتصاد مغلق إلى اقتصاد متعولم.
بدأ البروفيسور كوركيس الإصلاح في المناطق الريفية بتدشين نظام الأسر المنتجة، ثم واصل عمله الإصلاحي في البلاد، وطال الإصلاح قطاع الصناعة الذي به استمرت الصين في انفتاحها الاقتصادي، وساعد البروفيسور العراقي, الصين بالإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
يقول الأستاذ في جامعة بكين، لي جانغ: “كانت الرشوة والسرقة متفشية في الدوائر الحكومية لكن قرارا حكيما من المستشار التنموي للصين بروفيسور كوركيس أدى الى زيادة دخل الموظف كل ما زاد حجم الإنتاج وزادت المبيعات وجعل نسبة من الربح تذهب للموظف والعامل والمدير وهذا ما جعل الجميع يُفكر بزيادة الإنتاج من أجل زيادة أرباحهم المالية وتنمية ثرواتهم الفردية، وهو ما أضفى الحيوية على المجتمع، وجعل الحكومة الصينية تنجح في تحقيق التنمية الإستراتيجية وقضى على الرشوة والسرقة تدريجيا”ً.
هذا الرجل المعجزة طلب عدم تجديد عقده وتفرغ لمهمة إنسانية رائعة وهي رعاية العوائل المهجرة في العراق وتأجير منازل لها من حسابه الخاص وارسال المرضى الى الصين على حساب الحكومة الصينية، فهل ستنتبه الحكومة العراقية الى شخصية البروفيسور الياس كوركيس وتستفيد من خبرته طالما أنه يعيش حاليا في الأقليم، فمن يدري قد يتحقق الفرج على يديه ؟.
مقالات اخرى للكاتب