وانا أفكر بكتابة مقال عن الحراك الدائر الآن بشأن الدعوة الى تغيير وزاري ، يكون الوزراء من التكنوقراط والمهنيين والاكاديميين ، تذكرت مقالا سابقا نشرته في صحيفة الزمان بعنوان ( ملاحظات سريعة عن الحكومة الجديدة ) بتاريخ 11 ايلول 2014 ، بعد أن أدت الحكومة الحالية اليمين في البرلمان .. وتضمن عدة ملاحظات حول تشكيلتها ، أشرت في الملاحظة الاولى الى أنه ( بنظرة سريعة تجد الروؤس السياسية الكتلوية ( ألاقطاب ) ، قد دخلت في الكابينة الحكومية .. وهذا يعني للوهلة الاولى أن فريق الحكومة يفترض أن يكون قويا ومتماسكا ، ويتقدم صفوف المواطنين في التضحية ، ويحصل المواطن بوجوده على أفضل الخدمات ، ويكون الأمن في أحسن حالاته ، والتخلص من ظاهرة الارهاب والفوضى ، بما ينعكس بشكل ايجابي على هيبة الدولة وقوة القانون والنظام .
فهل هناك في نظر السياسيين من هو ( أفضل وأحرص وأكفأ ) من يمثل ( الخط الاول ) في السياسة ، لبناء الوطن ، وحماية المواطن ، وتخليص البلاد من المشاكل والازمات ، أم أن مقاييس السياسيين تختلف عندما يتصدرون الواجهة الرسمية ، ويسمع المواطن من جديد المبررات والاعذار في حالة حصول إخفاق ما ؟؟ .. ) ..
هذا ما جاء في ملاحظة واحدة سريعة تتكون لدى أي مواطن طالع الوجوه التي دخلت الحكومة في حينه ، ويفترض أن يستبشر فيها خيرا ، لانها تمثل أعلى سلم الهرم السياسي ، لكنها تفتقر الى المهنية والتكنوقراط بسبب المحاصصة على حد ما رأى في حينه الكثير ممن استطلعت اراؤهم فيها ، وهناك من السياسيين والمراقبين والنشطاء من توقع لها الفشل ، أو التعثر ، لانها خلت من التكنوقراط والترشيق قبل ان ينالها الاصلاح مؤخرا .. وهذا ما إكتشفته الحكومة ، ولكن بعد مضي مدة ليست بالقصيرة عليها ، وهي تقترب من منتصف عمر ولايتها ..
والمشكلة لا تزال قائمة الى اليوم وستستمر ما دامت المحاصصة هي الاساس في النظام السياسي ..فالعراق ليس بحاجة الى سياسيين ، ففيه منهم ما يكفي وزيادة ، وقد سجل بعد عام 2003 رقما قياسيا في عدد الاحزاب ، لكنه بحاجة الى علماء ومهندسين ومهنيين لهم قدرة عالية على مواكبة التطور العلمي والتقني والتكنلوجي والفني والثقافي المتسارع ، وخبرة واسعة في شؤون الادارة الحديثة ، والتطورالاجتماعي ، وليس الى سياسي ، قد يكون لا يعرف استخدام جهاز هاتفه النقال البسيط ، وهو في متناول يده ، فكيف له ان يستفيد من التطور العالمي البعيد والمعقد !..
ولكن .. هل بامكان الوزير التنكوقراط أن يحقق ما عجز عنه سلفه باستمرار نظام العملية السياسية السابق نفسه ، وهو المحاصصة ..؟..
أن ظروف العراق اليوم لا تسمح له أن يمارس ( ترف ) التجريب ، و ( هواية ) التغيير ، وتكرارالفشل ، وارضاء الكتل ، فقد مر من الوقت ما يؤكد ضرورة الأخذ بمعيار العصر، ومقاييس التطور ، وقيمة الزمن في حياة الشعوب ، وقد عشنا من المآسي ما يكفي ، ومن الدمار ما يحتاج الى جهود واموال كثيرة ، ومن الفساد ما جعل الخزائن خاوية ، والبطون فارغة ..
وبالحسابات البسيطة يفترض أن يحصد الشعب اليوم ( عائدا ) يناسب ما مضى من الزمن ، أن لم يكن بالمستطاع اكثر ، في صورة انجازات وعلامات واضحة ، يرى معالمها على الارض ، توثق عهدها ، و تكمل مسيرة ما قبلها ، ونجاحات من سبقها !، وليس أن يفاجأ بدعوة الحكومة لتغيير طاقمها الوزاري ، باي نسبة كانت.. شاملا بما فيه رئيسها ، او جزئيا في بعض أعضائها ..
ألا يؤشر ذلك حقيقة مرة ، وخيبة مؤلمة ؟…. ولماذا لا تحسب الحكومة وقعها الثقيل على الشعب ..؟.. وكيف لا يدعوه ذلك الى أن يتساءل … إذا كانت الحكومة قد فشلت في نصف مدتها ، وفيها من السياسيين ما يعدون رموزا في كتلهم ، فهل ستحقق في النصف الباقي ما يريده الشعب اذا استمرت العملية السياسية على النظام نفسه ، وهو المحاصصة ؟… وهل يمكن للجديد ان يحقق بلمسة سحرية ما عجزت عنه الحكومات السابقة في سنوات ، أم يحتاج الى وقت مناسب ليتعرف على مؤسساته وتكوين فكرة عنها …؟!..
واذا كانت الكتل تتحمل الفشل لانها هي من إختارت الوزراء على اساس المحاصصة ، فأن رئيس الوزراء ، الذي جاء هو ايضا عن طريق المحاصصة ، يتحمل مسؤولية موافقته على تسلم الحكومة بطاقم لم يكن من إختياره ، وبعد أن أعطى وعودا قبل تشكيل الحكومة بانها ستكون من التكنوقراط .. وها هو يعود اليها من جديد ، يريد التفويض من خلال البرلمان الذي يمثلها ..
وما دام لا يمكنه التغيير دون الرجوع اليها ، وهي متمسكة بالنظام نفسه كما يبدو من محافظة كل كتلة على حصصها ، أو تأتي باسماء وفق اختياراتها ، فمن غير المتوقع ان يكون التغيير الجديد مجديا أيضا ، بل عملية تغيير وجوه بمسمى جديد ، ولكن تحت العنوان السابق ..
ومما يؤكد ذلك هو أن الكتل دخلت في سجال جديد حول التفويض لرئيس الوزراء – وهل من حقه التغيير أم لا ، ولماذا لم يرجع اليها ويتشاور معها ، وما هي حصتها من التغيير .. مما يعني أن تغيير هذه الحال يكون من المحال بوجود برلمان عاجز عن فعل أي شيء ، وليس له سلطة خارج قرار كتله المكبل بها ، وبالتالي فهو يتحمل مسؤولية الفشل والفساد والفوضى التي تعيشها البلاد ، ويسجل عليه أنه لم يقم بدوره الرقابي بالشكل المطلوب …
فكيف له أن يراقب الوزارة ، وهو لم يراقب نفسه ، عندما يتغاضى عن خطورة غياب اعضائه ، إذ ان نسبة الغياب عالية ، وتصل في بعض الجلسات الى العشرات ، كما ينشر في محاضر الجلسات ، وهذا يعني أن هناك عددا فائضا من بين الاعضاء ويحمل الشعب مبالغ طائلة ، لا طاقة له الان وقدرة على تحملها ، و تصرف في غير مجالها الصحيح .. ويفترض ان يتخلص من هذا العبء ، والإسراف غير المبرر ، ألا يقع ذلك ضمن مهمته الرقابية والتشريعية أم يجوز له ما لا يجوز لغيره ؟!….
صحيح ان حل البرلمان امر صعب في الوقت الحالي ، وبهذه العجالة والظروف ، ولكن هناك من يرى أنه ربما يكون هو الحل المناسب للمشاكل التي يعاني منها العراق اليوم ، وفشل الدورة البرلمانية الى الأن في تحقيق وعودها للشعب باعتراف السياسيين أنفسهم ، بدلا من هذا الحراك حول التغيير دون جدوى ، ويدور فلك المحاصصة .. وربما تتاح للشعب الفرصة لكي يعيد تقويمه ، وينتخب ما يراه جديرا بتحمل المسؤولية ، بعد أن خرجت الانتخابات عن هدفها الحقيقي ، وهو الحصول على مقاعد في البرلمان ، وتمثيل الشعب في مهمة التشريع والرقابة ، وليس المنافسة للحصول على الوزارات ، وتكون هي الشغل الشاغل للكتل ..
ويظل العراق يدور في حلقة مفرغة ، وتكون مهمة التغيير صعبة ، إن لم تكن مستحيلة ، ما لم يتخلص من المحاصصة ، ويغادرهذا المبدأ الغريب ..
وهي مهمة دخلت اليوم في صميم واجبات الشعب في الانتخابات القادمة في حالة حل البرلمان ، او بعد اكمال مدته ، باختيار من هو مناسب وجدير بمهمة انقاذ العراق مما هو فيه ..
والمرء لا يلدغ من جحر مرتين …
{{{{{{
كلام مفيد :
الاخلاق هي افضل من يدافع عن المرء في غيابه ..
مقالات اخرى للكاتب