مدخل
========
قد تختلف مسميات نقاط الانطلاق والارتكاز والادارة الميدانية والادارية للعمل الاستخباري , فقد تسمى مكتب او فرع او شعبة او مديرية او منظومة او محطة , كما قد تختلف تلك المرتكزات الداخلية منها عن الخارجية , وتختلف التسميات (مثابة ,محطة ,مقر امن , بيت سري ,موقع اتصال , مكان خاص ...الخ).
ولا نريد هنا الخوض في التسميات كي لانعقِّد الموضوع , لذا سنطلق عليها جميعاً اسم المحطة , كمكان يتم به الجهد الاستخباري, مع التأكيد ان البعض من الاجهزة قد يطلق على كل فروعه داخل البلد اسم المحطة.
فالمحطة هي الذراع الاستخباري المتقدم التي تقع في ارض العدو او المناطق الساخنة اوعلى مقربة منها , وتعمل بالسر لتنفيذ اي دور او واجب يطلب منها , وقد تكون المحطة في مناطق من ارض الدوله الآمنة , ولكن تكلف بواجبات خارج نطاقها الجغرافي.
ويتنوع الواجب الذي تكلف به المحطة , وحسب ذلك يرتفع او ينخفض العدد فيها وانواع تجهيزاتها , فقد تكون غرفة في فندق او بيت في قرية اوخيمة في مرعى او غار في جبل .
وتنتشر المحطات بعد احتلال الدول والدولة او الجيش المحتل فيقوم بنشر محطات في كل مكان مستفيدا من وجوده في البلد المحتل .
كما ان الدولة التي يقع عليها الاحتلال تهيء امرها قبل الانسحاب لبناء محطات تساعدها على المقارعة واستعادة ارضها المغتصبة مستقبلاً.
وغالبا ما تكون المحطات في ارض العدو او الدول الاخرى , وحتى في مناطق حدودية داخل الوطن او في محافظة تشهد مشاكل سياسية او امنية من اراضي الدولة , وسنبحث هنا ماهيّة المحطات , وكيف تعمل , وانواعها وادوارها.
=============
وظائف المحطات
=============
يختلف الوصف الوظيفي لكل محطة عن الاخرى فقد تكون مركزاً للجمع أومحل لقاء أومركز تدريب مصادر أوموقع مراقبة فنية أو موقع عمليات أو محطة تجنيد أو مراقبة او استنطاق او استجواب اوتحري اوتحليل اوتموين وتسليح اوتدقيق وتقييم او قد تكون محطة لادارة مصدر مهم او شبكة للتجنيد الوهمي او مثابة لنقل التجهيزات او مقر ادلاء للنفاذ عبر الحدود او مرصد , وقد تضم مجموعة من الواجبات معاً حسب حاجه الجهاز , كما يختلف عدد من يديرون المحطة , فقد يدير المحطة شخص واحد وقد تكون فيها اعداد كبيرة بحسب الحاجة .
ومن هنا , لايوجد وصف وظيفي محدد للمحطات , فالواقع والحاجة تفرض الوصف الصحيح للمحطة , اما وصايا الأمان والحماية لكل محطة فتختلف عن الاخرى بحسب موقعها الجغرافي , وقد تكون المحطة موزعة في عدة اماكن , فيكون هنالك مكان الاتصال ومكان للسلاح ومكان للاموال ومكان للتجهيزات وهكذا.
=============
انواع المحطات
=============
تنتهج الدول عده اساليب بالعمل الاستخباري , فالبعض يعمل بطريقة شبه رسمية( اي يمزج بين العلن والسر) وآخر يعمل بشكل سري تماماً, وفي كل الحالتين هناك جهد استخباري غير محسوس وسري , وتنقسم محطات ومراكز العمل الاستخباري الى عدة انواع او اشكال والابرز فيها بشكل عام سبعة انواع هي : المحطات العلنية والمحطات شبه السرية والمحطات السرية والمحطات البديلة والمحطات الوهمية والمحطات الصامتة والمحطات المتنقلة .
ان بعض الاجهزة المحترفة تطبق جميع الاساليب السبعة بالكامل, وسنفصل كل محطة بقدر من التلخيص .
1- المحطات العلنية:
وهي التي تعمل داخل البلد بشكل علني , والغالب تكون الاستخبارات الجنائية وشعبة الاستخبارات في مراكز الشرطة ومراكز الاستجواب والتحقيق والمركز الخبري او التواصلي مع المواطن او دوائر التوظيف والقبول وحسب الحاجة وتكون مثل هكذا مكاتب او مراكز علنية رسمية.
ويدخل في هذا الباب مركز الخط الساخن والتواصل مع المواطن ومن خلال وسائل التواصل والايميل والعنوان البريدي ايضا تعتبر محطة استخباريه تواصلية علنية.
فالمحطات العلنية ضرورية في داخل البلد لتكون على مقربة من المواطن والتواصل معه والمراجعات الادارية ودوائر التحقيق والتواصل مع المحاكم واهالي المعتقلين خاصة في الاستخبارات الجنائية وكثير من الموارد التي تتطلب وجود مركز علني.
2- المحطات شبه السريّة :
والمحطات شبه السريّة ممكن ان تستخدم داخل البلد , كأن يكون التواجد علني في مجمع حكومي اوعسكري ولكن الجهد سري .
وهذا الحال ينطبق على السفارات والقنصليات في الخارج , فيكون الموقع علنياً والعمل سريٌّ , وقد يكون موظف الاستخبارات علنياً ومعروفاً في السفارة ومعروف للدولة المضيفة , ولكن جهده بعيد عن الانظار.
فالسفارات والقنصليات معلومة كممثليات للدول , ولكن جهدها الاستخباري يكون سري , فالجميع يقرُّ بأن سفارات الدول الاجنبية هي اوكار للتجسس الرسمي بغطاء دبلوماسي وفق معادلة دقيقة مفادها انه مادامت الدولة المضيفة لاتمتلك الدليل على التجسس الدبلوماسي , فلايحق لها سوى ان تقدم للجاسوس الرسمي منتهى التسهيلات والتكريم !!!.
فالقاعدة الاستخبارية تعتبر كل سفارة او قنصلية او ملحقية لأية دولة لدينا بمثابة محطة استخبار لهم على اراضينا, ويتبع ذلك ان جميع سفاراتنا وقنصلياتنا وملحقياتنا يجب ان تقوم بدور جمع المعلومات المطلوبة لصالح الدولة والاجهزة الاستخبارية.
3- المحطات السريّة :
وهي الأعم الأغلب في الجهد الاستخباري الداخلي والخارجي , فكل مراكز اللقاء وتبادل المعلومات والمقرات الآمنة والمثابات ومحل استلام البريد ودوائر الجهاز الاستخباري يجب ان تكون محطات سريّة وتشكل المحطات السريّة اغلب دوائر الاستخبارات.
فجميع نشاط الاستخبارات هو جهد سري بالاساس , والسريّة في المكان تتطابق مع سريّة العمل , كأن يكون الموقع بإسم شركة او منظمة او يقع في جزء خلفي لشركة او مستشفى او مركز دراسات او الخ من انواع الواجهات الممكنة , وقد تكون المحطة السريّة شقة في عمارة او طابق ثان لمطعم, فالسريّة تجعل الجهد الاستخباري في مأمن كبير بعيدا عن عين العدو.
وتعد المثابات البعيدة في المناطق الحدودية التي تقوم بعمليات نقل المصادر من والى البلد المستهدف محطات سرية لوجستية داعمة للجهد الاستخباري والعسكري.
4- المحطات البديلة :
يتم اتخاذ محطات بديلة في المواقع الساخنة , اي يتم اعتماد محطات سريّة واخرى بديلة لتدارك التعرض للمخاطر بمعنى ان يركز الجهد في محطة سريّة ويتم اعتماد محطة بديلة للطوارى وحالات الخطر والانهيار.
فالمحطات والمراكز والمقار البديلة تتخذ في حالات الحرب والطوارىء والخطر , فمثلاً مركز الاستخبارات في الرمادي وتكريت والموصل كان يجب ان يكون لها مواقع بديلة لانها في مواقع ساخنة وخطرة .
فحين يحصل اي انهيار امني سيصبح الموقع الرئيسي خطيراً فيتم منع اي تخزين فيه ويذهب الجهد للخزن والتحليل في الموقع البديل اي يتقلص الجهد في الموقع الرئيسي الى الحد الادنى ويتم تفعيل البديل فوراً . قد تكون محطة عمليات استخبارية داخل تنظيم العدو لغرض تدميره وهذه حاله متقدمة نفتقدها في العراق.
5- المحطات الوهمية :
تقيم اجهزة الاستخبارات محطات وهمية للفت الانتباه اليها , مثلاً ان تأخذ موقعاً في معسكر او دائرة حكومية وتضع فيها عناصر استخبارات ولكن بلا جهد استخباري حقيقي , وتنسج حولها الاشاعات بانها دائرة استخبارات او محطة استخبارات لتركيز انتباه العدو عليها وجعل المحطات الحقيقية في امان وبعيدة عن انظار العدو وعن الاختراق.
ان المحطات الوهمية مهمة جداً لحماية الجهد الاستخباري , وغالباً مايتوجب أمن الاستخبارات استحداث مثل هكذا مقرات , فيتم انشاء موقع في بناية حكومية , ويكون فيها تردد لموظفين يقومون بأعمال غير حقيقية اواعمال ثانونية او لفتح دورة استخبارات لمده شهر او شهرين وتبث اشاعات بأن هذا هو موقع مُعتمد للاستخبارات ليتم حرف عين العدو اليه دوماً , وقد اثبتت المحطات الوهمية بالتجربة انها تقلل الخطر كثيراً من استهداف المواقع الرئيسة .
6- محطات صامتة:
تقوم الاستخبارات بإختيار محطات صامتة تجهز بكل شيء وتبقى ساكنة تحسباً للانسحاب والانهيار , ويتم تفعيل الجهد فيها عند الحاجة وتسمى ايضا محطات اعادة الاتصال او اعادة الجهد الاستخباري , وكانت تسمى سابقاً بمحطات اللاسلكي الخفية .
إن اول من عمل بها بنجاح الاستخبارات الفرنسية , فعندما انسحب الجيش الفرنسي من الاراضي الفرنسية أمام الالمان اثناء الحرب العالمية الثانية تركوا في كل مدينة وقصبة بيتاً آمناً تسكنه عائلة , وزودها بجهاز اتصال واسلحة ومتفجرات وأموال مدفونة , الامر الذي ساهم بشكل جوهري في تكوين محطات للمقاومة الوطنية وايواء الجرحى وعمليات انقاذ الطيارين وتزويد القيادة بالاخبار ودعم المقاومة المسلحة للجيش الوطني بقياده الجنرال ديغول.
ولانستبعد ان تكون داعش قد تركت مثل هكذا محطات في كل الاماكن التي انسحبت منها الان , وهي بمثابة مركز قيادة وسيطرة للجهد الارهابي السري لاحقا , فداعش تعتمد على مفهوم المحطات الصامتة وليس الخلايا النائمة في العراق , لأنها الاشمل والاخطر.
وكان مهماً للغاية ان تقوم استخباراتنا بانتاج هكذا محطات في الاماكن المتشنجة والساخنة قبل ان تسقط بيد الارهابيين والتي انسحب الجيش منها منذ سنوات, للافاده منها عند الضرورة وكان يجب ان تكون هنالك محطات متكاملة التجهيز , وللاسف غفلت استخباراتنا عن ذلك قبل الانهيار في 2014.
7- المحطات الجوالة او المتحركة:
في بعض الاحيان قد تكون المحطة على شكل عجلة كبيرة جوالة للمراقبة والانتاج الفني السمعي والبصري والتنصت القريب , وتستخدم العجلات بشكل مكثف في الاستخبارات المحترفة وهي عباره عن جهد محطة متكامل مزودة بأحدث التقنيات والتكنلوجيا.
والمحطة الجوالة هي مهمة جدا في حالتي الاستقرار او الانهيار الامني والعسكري, وغالبا ماتتكون من 2 الى 5 اشخاص في عجلة بوكس متجولة , وقد تستخدم في جبهات القتال ايضا.
=========================
المحطات الاستخبارية في العراق
=========================
ان استخباراتنا تتوقف عند محاولة استحصال معلومات لدفع تهديد العدو , وهي عاجزة حتى في تلك المهمة غالباً , ويعود ذلك لإفتقار استخباراتنا للمصادر والشبكات والمحطات في الارض التي يسيطر عليها العدو .
ومن هنا , فهي لا تستطيع ان تضر العدو بل تحاول ان تتقي شره وفي تفكيرها انها تودي الواجب , بل اصبحت الحكومة لا تريد اكثر من ذلك من الاستخبارات وهي لا تتحصل منهم حتى على هذه المهمة الجزئية .
يجب ان تتطور الاهداف بشكل هجومي باجهاض العدو وتفتيت قدراته المنتجة للتهديد لا ان ننتظر ان يصل الارهاب الى المرحلة الاخيره ( التنفيذ ) ثم نحاول صده وابعاد خطره .
ان هذا الفكر الحاكم منذ ثلاثة عشر عاماً على العقل الاستخباري العراقي (بأنه يبعد الشر لا ان يتخلص منه) قد رسخته الحكومة باهمالها للمراقبة والتدقيق على الاجهزة الاستخبارية .
مما افسد الاستخبارات فصارت تطبل يومياً لإنتصارات زائفة للاستخبارات كأعتقال امير ووزير وخلية ومجموعة ارهابية وغير ذلك بشكل متكرر , وزادت الطين بلّة بأن مكَّنت عدداً من الفاشلين ومن غير ذوي الاختصاص (لأسباب حزبية وشخصية وعائلية) من الوثوب على رأس الاجهزة , فضاع الجهد الاستخباري وضاع معه امن البلد وتغول العدو .
فالعدو(بالتاكيد) ليس قوياً كما يبدو , ولكن ضعف استخباراتنا مكّنه من ان يبرز عضلاته ويقتل الناس .
ان الامر الخطير في هذه المرحلة ان داعش تتهيأ اثر هزائمها العسكرية للانتقال للعمل السري , ولانستبعد ان تكون قد دعّمت انسحاباتها ببناء محطات سرية خطيرة في اوساط المناطق المحررة وحتى المحافظات الآمنة , بينما لاتزال استخباراتنا نائمة في العسل ولم تبادر طيلة سنوات لبناء محطات في المناطق الساخنة التي سقطت بيد ارهابيي داعش.
ان المحطات الاستخبارية تشبه محطات شبكات اتصال المحمول ,هل يمكن تصور وجود اتصالات موبايل بلا ابراج ارسال واعاده بث وتقوية البث وتوسيع مدى البث وتمكين الاستقبال؟؟!!!.
ان تلك الشركات الاهلية تمكنت بامكاناتها المحدودة اذا ماقورنت بامكانات الدولة , تمكنت من ان تضع خططاً لتطوير ابراجها حسب الجغرافيا والحاجة , ولم تيأس تلك الشركات بالرغم ان الابراج كانت تفجر في بعض المناطق , حيث تعاود الشركات تلك الى بنائها لضمان استمرارية الخدمة , اما اجهزتنا الاستخبارية فهي اشبه بشركات اتصال بلا ابراج!!!.
ومن هنا لابد من ان تتنبه الدولة واجهزتنا الاستخبارية الى اهمية المحطات الاستخبارية , وان تعمل على الاصناف السبع للمحطات التي ذكرناها , فبدون ذلك لاتعدو اجهزتنا الاستخبارية على ان تكون جسماً بلا روح , والله الموفق.
مقالات اخرى للكاتب