جاري في السكن لا يفقه ولا يريد أن يفقه شيئا في كيفية التعامل والتفاعل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة، رغم أنه يخضع بشكل وبآخر لها، معللا بالاضطرار الذي يفرضه المجتمع عليه، فهو ما زال الى الآن لا يعرف كيف يشحن هاتفه النقال الذي يستخدمه للتواصل مع أسرته فقط.
جاري المسكين أو المتمرد جاءني يسألني عن مفردة جاري الشحن التي تظهر على شاشة هاتفه اثناء توصيله بالكهرباء، فأجبته بأن الشحن انواع، وبعد أن دعاني إلى فنجان قهوة في داره قلت له يا جاري: هل شحنتك (أم الجهال) في يوم ما ضد والدتك أو أختك؟ وقبل أن يجيب قلت له: أنا اجيب عنك (نعم) فالمرأة العراقية تمتلك شهادة الدكتوراه بالشحن.. وهل شحنتك والدتك ضد زوجتك؟ سأقول لك: نعم، خاصة واننا لا نستقل عن العائلة الكبيرة، عادة، إلا اثر (عركة).
هناك نوع آخر من الشحن يا جاري هو ان تضبط موعدا مع صديق وتذهب إلى مكان اللقاء فتشحن هناك ليأتي أو ربما لا يأتي صاحبك بعد ساعة شحن ممتازة، معللا تأخره بالازدحامات والسيطرات وحصول انفجارات خفيفة وثقيلة هنا وهناك. والعراقي يمتاز بثقافة شحن الآخر في الظروف الاعتيادية، فكيف ونحن نعيش جوا مربكا منذ عشر سنوات؟
الأطباء يا جاري لهم حصة وافرة بشحننا أيضا في المستشفيات والطوارئ، أو في عياداتهم، وخاصة اذا كان السكرتير مرتشيا، فيذهب دورك الى شخص آخر دفع مالا.
وزاراتنا وبالتحديد وزارة المالية لا تمنح الدرجات الوظيفية في موعدها فتشيع ثقافة شحننا في درجة وظيفية فلا نعبرها إلا بعد سبع سنوات.
وكونك عراقيا يا جاري فانت تمارس شحن ذاتك (تاكل بروحك) حتى تصاب بمرض عصري.
أما الشحن الأخير فهو الشحن الطائفي الذي يمارسه ساستنا كل يوم يشاركهم فيه بعض رجال الدين او ممن يحسبون عليهم ليؤججوا الشارع ويدفع الفقراء الثمن.
هنا تجمد جاري، وبعد لحظات أطلق ضحكة حزينة، وقال: اذن ليس هاتفي الذي يشحن فقط.. الانسان أيضا.
مقالات اخرى للكاتب