كل عام ودون إنقطاع ومنذ عام 1429 تقريبا تحتفل مدينة أورليانز بذكرى خلاص المدينة من المحتلين الإنكليز بقيادة جان دارك، ففي نهاية نيسان وبداية أياروتحديدا من 29 نيسان والى 8 أيار، تقام الكرنفالات والحفلات الموسيقية وفعاليات تعود أصولها الى العصور الوسطى ترافقها الألعاب النارية والمهرجانات والمسيرة الطويلة ذائعة الصيت والتي يشارك فيها العسكريون وممثلو الكنائس والدولة والنواب المحليون وطبقات المجتمع بأجمعها وراء فتاة تمتطي صهوة فرس منتحلة شخصية جان دارك.
جان دارك أصبحت الشخصية التأريخية الأكثرإثارة للجدل وبالأخص في القرن التاسع عشر حيث بات كل حزب يحلل هذه الشخصية حسب أهوائه وإتجاهه السياسي، فالحزب اليساري يرى فيها فتاة الشعب التي أحرقتها الكنيسة وتخلى عنها الملك، أما الحزب اليميني فيرى فيها البطلة القومية والقديسة، والكثير من التحليلات الفلسفية والدينية التي تجعل منها رمز فرنسا الرسمي.
بطلة حرب المائة عام بين فرنسا وإنكلترا، جان دارك , ولدت في قرية دومرمي شرقي فرنسا من أب فلاح أمي، بعد إعلان إتفاقية تروا عام 1420 ووفاة الملك شارل السادس عام 1422 . تقع دومرمي مابين فرنسا القانونية على رأسها هنري السادس الموالي للإنكليز وفرنسا الشرعية وعلى رأسها شارل السابع، لذا فإن أهالي القرية أعلنوا ولاءهم ووفاءهم ودعمهم للملك شارل ضد المحتل الإنكليزي .
ضمن هذا السياق بدأت جان دارك ومنذ سن الثالثة عشر بسماع أصوات ونداءات من القديسين سان ميشيل وسانت كاترين وسانت مارغريت يكلفونها بمهمة وطنية وروحية وهي إنقاذ فرنسا من الاحتلال ، على إثرهذه الأصوات الملحة حاولت جان دارك رؤية الملك شارل السابع والحصول منه على وحدة عسكرية صغيرة وهي في السابعة عشر من عمرها كي تحارب بها الإنكليز، وبعد موافقة الملك استطاعت أن تحرر مدينة أورليانز مما أدى الى تتويج شارل السابع عليها مساعدة بذلك على تحويل دفة الحرب لصالح فرنسا وقلب نتائج في حرب المائة عام.
أشتهرت جان دارك في جميع أنحاء فرنسا وحاولت تحرير أرض الوطن بدءا من مدينة كومبين والمدن الأخرى ولكنها فشلت في تحرير باريس فقد تم إلقاء القبض عليها من قبل البرغونين الموالين للإنكليز وبيعها ، ليتم الحكم عليها بالحرق وهى حية من قبل محكمة الكنيسة بتهمة الهرطقة في عام 1431إ زاء عدم إنقاذها من قبل شارل السابع.
هذه المحاكمة أشتهرت بعدم شرعيتها لذا تم نقض الحكم عام 1456 واعيدة محاكمتها وتبرأتها وارتفعت كشهيدة ومن ثم قديسة في عام 1920 كي تصبح الشخصية الأكثر شهرة في العصور الوسطى وتصبح من القديسين الأربعة الذين يحمون فرنسا، وشخصية أسطورية عالمية تلهم الأدب والتأريخ والموسيقى والدراما والسينما.
يذكر أن الحزب اليميني المتطرف يحتفل بذكرى جان دارك كل عام في الأول من أيار منذ عام 1970 ويضعون الورود على تمثالها بإعتبارها رمزا وطنيا وقوميا ومثالا للمقاومة ضد المحتلين، وإصرارهم على أن جان دارك فرنسية تنتمي الى الفرنسيين.أما اليوم فبعد أكثر من 600 عام على ميلاد جان دارك تحاول كل الأحزاب أن تمجد ذكراها متنافسين فيما بينهم كي يكسبوا دعم وحب الشعب الفرنسي.