لمرتين ذهبت الى المركز الانتخابي للحصول على بطاقتي الانتخابية.. و كنت اعود خائبة بسبب الزحام والطابور الطويل.. وفي المرة الثالثة، تجملت بالصبر وانتظرت لساعة ونصف تقريبا حتى إستطعت الحصول عليها. رغم التعب الذي عانيته، كانت فرحتي كبيرة، أول الأمر، وأنا أشاهد توافد الناس على المركز الانتخابي وتزاحم الرجال والنساء وقضاؤهم ساعة او أكثر من النهار للحصول على البطاقة الانتخابية. لكن فرحتي كانت تتلاشى كلما اقتربت من الجموع واستمعت الى تعليقاتهم التي تنم عن الضجر والجزع الذي ينتاب هؤلاء وهم يشعرون بأن عليهم أن يتحملوا كل هذه المعاناة لانتخاب من تسبب لهم في معاناة امتدت على مدى عشر سنوات.
لم جاؤوا إذن؟ ردت إمرأة عجوز متبرمة: لأنهم قالوا بأن البطاقة الانتخابية ستكون بطاقة تعريفية خامسة اضافة الى المستمسكات الاربع، بينما قالت سيدة أخرى بعصبية: بل إنهم قالوا بأنها ستكون ضرورية في كل المعاملات الرسمية. وعلى مسافة أمتار وقف رجل يرتدي بدلة عمل ويدخن بعصبية ويعلن بصوته الجهوري بأنه اضطر لترك محله ورزقه اليومي ليحضر مرغما، والنتيجة، كما قال: (انعل ابوه اللي يروح وينتخبهم)؟؟ رغبت بأن أسأله عن سبب مجيئه اذن، لكني عدلت عن الفكرة بعد ان لاحظت ان أغلب الموجودين يتحدثون عن الانتخابات بمشاعر يمتزج فيها الاحباط واليأس، وان سبب حضورهم لاستلام البطاقة الانتخابية هو اما خوفا من حاجتهم اليها مستقبلا كوثيقة رسمية، او لغرض بيعها..
بيعها؟؟ وكيف يمكن ان تباع البطاقة الانتخابية؟ سمعت عن ذلك من قبل وقالوا ان البعض اشتراها بورقتين، أي مئتي دولار، وقال البعض الآخر انها بيعت ب 150 الف، ودفعني ذلك الى التحقق من الأمر وسؤال بعض المختصين من موظفين ومسؤولين، وشاهدت العديد من الندوات التلفزيونية حول الأمر، وكل هؤلاء أكدوا إن شراء البطاقات لن ينفع المرشحين الا لغرض اتلافها فقط. وقد يكون الحديث عن بيع البطاقات وشراؤها ماهو الا إشاعة كاشاعات اخرى كثيرة سمعتها مثل: الموضوع محسوم لهاي الجهة لاتّعبون نفسكم، او.. الصناديق جاهزة وحاضرة قبل شهر والانتخابات مجرد شغلة اعلام..، النتيجة حكومة اغلبية والجماعة ضامنين الجنوب والوسط.. أزمة الانبار راح تأثر عالمعادلة السياسية.. و .. و.. والكثير من الاشاعات التي من الواضح انها تطلق من قبل جهة مستفيدة لغرض بث روح الاحباط والتراجع لدى المواطن لتتسلل الى داخله قناعة واحدة هي: عدم جدوى الانتخاب او الذهاب الى صناديق الاقتراع، وهذا بالطبع سيكون لصالح الجماعة الذين يمسكون رقاب الناس من خلال رئاساتهم الثلاث. فهؤلاء لهم صنائعهم الذين سيذهبون مؤكدا لانتخاب سادتهم حفاظا على مصالحهم، وهكذا ستكون النتيجة محسومة لصالح نفس الوجوه الحالية، كما حدث في انتخابات مجالس المحافظات التي كانت نسبة المشاركة فيها، حسب مفوضية الانتخابات 50%، بينما ذكرت مصادر اعلامية اجنبية ان نسبة المشاركة لم تتعدى 35% . أي ان 65% او 50% فضلوا الصمت. فماذا ان تكررت الحالة وصمت هؤلاء ال 65% او 50% في انتخابات البرلمان؟؟ هل سيعني هذا وجود معارضة؟؟ وكيف ستقول المعارضة رأيها ان لم تدلي بصوتها؟؟
شسوولنه؟؟ هذا مايقوله ال 65% او ال 50%... وليش ننتخبهم وإلهم الامتيازات وإلنا الموت والقتل والبطالة وانعدام الخدمات؟؟
ربما نسي هؤلاء ان بعضهم كان سببا في وصول من وصل الى قبة البرلمان والحكومة ووزارتها وانهم سيكونون ايضا سببا في وصولهم ثانية ان هم التزموا الصمت. فمن بين اكثر من 9000 مرشح، يمكن ان نلمح بصيص أمل بوجوه جديدة، أو وجوه معروفة بمواقفها ووطنيتها لكنها تعرضت لتهميش واقصاء..
وأنا أعبر باب المركز الانتخابي.. واحاول وضع البطاقات في حقيبتي.. سقطت احداها أرضا.. ضحك الحارس الامني وهو ينظر اليها وقال ممازحا: مبين هاي راح تنباع.. متقبل تطب بجنطتج.. صعد الدم الى رأسي فأجبته بحدة: الله (يطيح حظه اللي يبيع صوته)...
عذرا لاستخدام هذه الكلمة.. لكن هذا ماحصل فعلا.. فمن يبيع بطاقته الانتخابية يكون قد باع نفسه وضميره.. وباعنا..
ومن سيتخلف عن الذهال الى صناديق الاقتراع سيكون قد باعنا أيضا وتخلف عن المساهمة في انقاذ هذا الشعب الجريح.. فلا تبيعونا....