وأنا صغير كنت أفكر بعقلية ضفدع البحيرة ، فكنت أعتقد أن كل الدنيا هو ما يدور حولي فقط ، وأني بمجرد أن أنام تتوقف الحياة ، وعندما أصحوا من النوم تدب الحركة في الكون ، وبعد أن كبرت ، وخرجت من قمقم البحيرة أو المستنقع أن صح التعبير ، تغيرت نظرتي وفلسفتي ، وعرفت أني مجرد رقم واحد صغير جداً في هذا العالم الكبير ، وأن الحياة ستواصل مسيرتها بي أو بدوني ، وأني نفس واحدة من بين مليارات الأنفس المتصارعة على الأرض .
بعد أن بلغت ، أي كبر عقلي ونضج نوعا ما ، طرحت على نفسي هذا السؤال أثناء درس العلوم بالصف الدراسي الأول بالمرحلة المتوسطة " ماذا أريد ؟ " ، نعم ماذا أريد ، وماذا تريد أنت يا قارئ المقال ، والسؤال موجه لكل فئات المجتمع ، العوام من الرجال والنساء ، الشباب والشيوخ ، ورجال الثقافة ، والوجهاء والمسسؤولين ورجال الدين ، هل هي أهداف ؟ أم أحلام ؟ أم حقوق ؟ .. نحن نسير على سكة الحياة منذ الولادة حتى الممات ، وهذا طريق لكل البشر ، فأن كان بهدف وخطة ، فنحن نعرف ماذا نريد ، سواء وصلنا حتى الهدف والغاية ، أو لم نصل ، لكن نعرف ماذا نريد ، والي ماذا نرمي ، وماذا نعمل . لكن أن كنا لا نعرف ماذا نريد ، فهنا قول آخر ، وهذا محور كلامنا ، وربما لا نريد أن نعرف ، ونبقى أسرى العشوائية في العيش ، دون دراية أو غاية ، وتلك مسألة صعبة ترمي بصاحبها في دائرة المشي مع القطيع ، وبالعامية كي يصل المعنى " عايش مع العايشين وخلف الخيل ياشقراء " وعجلة الحياة تسير .
في بحثنا أمثلة عن مفارقات بالحياة ، وعن الشباب خاصة " ماذا يريد ؟ " وهل يعلم أنه بحاجة لمعرفة ماذا يريد . نحن بشر ، ولكلاً منا تفكير مختلف ومعادلة تركيبة مختلفة ، والكل مقتنع بعقله وفكره " هذا في الغالب " ، والجميع شركاء بالحياة ، والظاهر أمامنا بشر بزينتهم وبهائهم ، والكل يمارس حياته الطبيعية ، بغض النظر عن طريقة التطبيق في التفكير، سواء بنجاح أو فشل ، بأعلى القمة يريد أن يصل أو بأسفلها سيقع ، لكن الكل يعرف ماذا يريد ؟ لكن المصيبة مع الشخص الذي لا يعرف ماذا يريد ، وهنا الطامة الكبرى ، ولا أقصد هنا الوظيفة أو المنصب ، بل بكل مجالات الحياة وفروعها ، المهم شئ تفعله وتعرف ماذا تريد من فعلك هذا ، وينطبق على حياتنا المادية والاجتماعية والدينية ، وغيرها الكثير من الأمور الحياتية .
شاهدت شاب ثلاثـيني أو ربما أربعيني بصحبة دراجة نارية ضخمة جداً بإحدى محطات البنزين ، أو ما تسمى هارلي ، وكان صوتها مزعجا جداً ، بحيث تخيلت أن كل سكان الشرق الأوسط قد سمعوا زئيرها وضجيجها ، وكانت نظراته إلي الدراجة غير طبيعية ، إذ كان يعاكسها ، وكأنها عروس أو أعظم من ذلك . أخذني الحماس فاقتربت منه وسألته : هل هي هواية أم مهنة ، فقال هواية منذ خمسة عشر سنة ، فسألته هل أنت متزوج ؟ ، فأجاب بنعم ولدي أبناء ، وأسكن بشقة بالمنطقة ، فسألته بكم اشتريتها ، فقال بعشرات الآلاف من الدولارات ، وزاد أنها المتنفس له ، وهي أعز من بعض البشر ممن حوله ، وأنه يعشقها ، فرحل ، فقلت في نفسي " هذا يعرف ما يريد " .
أعرف ستيني قضى من عمره عشرات السنين في مشاهدة مباريات كرة القدم ، سواء من قنوات التلفاز الفضائية ، أو سابقاً حيث كان يشتري أشرطة الفيديو المسجلة ، المهم حسبتها معه ، إذ قضى ثلثي حياته في مشاهدة الكرة ، والغريب أنه لا يلعبها ، وله كرش بحجم مكنة سيارة ، ولكن يعرف قوانينها بدقة ، وأسماء لاعبين كل فرق دول العالم تقريباً ، وأسماء الملاعب ، فقلت لنفسي " هذا شخص يعرف مايريد " .
يشكو أحدهم حال زوج أبنته ، وإنه لا يعمل ، ولا يريد أن يعمل ، وقد ساعدوه بإيجاد عدة فرص ليخرج من قوقعة البيت ، ولكن بائت كل المحاولات بالفشل ، وبرنامجه اليوم فقط لقاء حميمي مع أبنتهم بالليل ، وأكل ونوم بالنهار ، وإذا سألتهم كيف قبلتم به ؟ سيكون الجواب ، أنه الغش والتلميع أثناء الخطوبة ، فقدموه أهله أنه تاجر حقيبة متجول ، وشريك بمكتب عقاري، وأتضح بعد الزواج أن الحقيبة فارغة ، كذلك عقله على ما يبدو ، والمكتب مغلق ، ولقد دسوه أقربائه بالعسل ، فوقع الفأس على الرأس وحبلت الفتاة ، وستلد قريباً مع الأسف .. هذا الشاب لايعرف ماذا يريد ، وهي مصيبة وطامة ، والمصيبة الأكبر والأمر ، إذا كان لايريد أن يعرف ماذا يريد ! وعلى هذا يكون المقياس والميزان ومربط الفرس . " هل تعرف ماتريد ؟ "
أحياناً نتمنى بقاء بعض البشر في بحيرة الضفدعة لوحدها ، وتعيش وتأكل وتجتر لوحدها ، حتى تموت وتريح العالم منها ومن شرها ، والحياة ستستمر أفضل بدونها ، فهؤلاء صداع مزمن لغيرهم ، ولاتنفع معهم أنجع الحلول .