أفضت مظاهرات تونس إلى مغادرة الرئيس زين العابدين خلال أيام من انطلاقتها، وخلال أسبوعين اضطر الرئيس المصري السابق حسني مبارك إلى التنحي مطلع عام 2011، بعد ذلك دخل `الربيع العربي` حقبة يمكن وصفها ب`الدموية`، ففي اليمن
سالت دماء كثيرة قبل أن يكون المخرج القلق للحالة اليمنية ويتنحى علي عبد الله صالح ليحافظ على حياته بعد تشوهات أصابت وجهه ويديه، وفي ليبيا سالت أنهار من الدماء، انتهت بمقتل الرئيس الليبي معمر القذافي بطريقة وحشية، لتدخل ليبيا في دوامة من القتل والقلق والدماء، وفي مطلع عام 2011 خرج متظاهرون بأعداد قليلة في درعا بسوريا، لتزداد العاصفة الهوجاء وتضرب جميع مناطق هذا البلد الأخضر الجميل، وخلال ما يقرب من سنتين ونصف السنة والسعير ما يزال يحرق سوريا والسوريين،
لم تظهر الدماء والقتل في سوريا خلال نصف السنة الأولى، وكل ماكان يحصل وما تنقله الفضائيات عبارة عن مظاهرات يتخللها إطلاق الأهازيج وأحيانا الرقص الجماعي على الطريقة الشامية، لكن تبرز ما بين سطور ذلك ما يشي بحقبة قادمة موسومة بالدم القاني، وهذا ما يجري في سوريا البلد العربي الجريح.
في العراق بدأ ربيع المظاهرات قبل الدول العربية الأخرى، ففي التاسع عشر من حزيران (يونيو) عام 2010 خرجت مظاهرات عارمة في مدينتي الناصرية والبصرة احتجاجا على انعدام الكهرباء، فتصدت لها الأجهزة الأمنية بعنف وقمعتها، ليسقط العشرات بين قتيل وجريح.
وفي الخامس والعشرين من فبراير2011 ، انتفضت جميع المدن والقصبات العراقية ما عدا محافظة دهوك في شمال العراق، لكن النار والحديد كان قد ضرب صدور المتظاهرين وسقط أكثر من ثلاثين شابا مضرجين بالدماء، لتبارك ذلك العنف سفارة الولايات المتحدة ببغداد التي سقط غالبية هؤلاء على بعد مئات الأمتار منها، وشنت السلطات حملات اعتقالات واسعة طالت الكثير من الأدباء والفنانين والمسرحيين، الذين نشطوا في تلك المظاهرات وخرج البعض منهم بعد أسابيع من الاعتقال ليروي قصصا مرعبة، عن التعذيب الذي تعرضوا له في الزنازين والمحاجر ببغداد ومدن العراق الأخرى.
منذ نصف عام والعديد من محافظات العراق تواصل انتفاضتها ضد سياسيات وممارسات حكومة نوري المالكي، بدأوا أواخر عام 2012، والبرد الشديد يهاجم الجميع، لكنهم أصروا على التظاهر بسلمية، يرددون الهتافات ويرفعون اللافتات، ووجهت قوات أمن المالكي السلاح إلى صدور المتظاهرين في الفلوجة وقتلتهم أمام عدسات الفضائيات.
بعد ذلك قتلت المتظاهرين في الموصل قبل أن ترتكب مجزرة وحشية في مدينة الحويجة، لتقتل وتجرح المئات في الثالث والعشرين من `نيسان` – ابريل عام 2012.
كما أن الاعتقالات والتعذيب الوحشي لم يتوقف بحق الناشطين في المظاهرات في المدن العراقية، ورغم مرور نصف عام إلا أن رئيس الوزراء المالكي وطاقمه في الحكومة والبرلمان لم يستجيبوا لمطالب المتظاهرين.
ترى ما هي المرحلة القادمة بعد هذا التسويف والمماطلة والاستهانة الحكومية بالملايين من العراقيين الذين يزدادون غضبا في كل يوم؟
هل يتعظ الحكام والمتسلطين وهل يقرؤون ما حصل بالأمس، أم أن وهم القوة الفارغة التي يعيش عليها المالكي وأقطاب حكومته وإطراف عمليته السياسية، ستجر العراق – لا سمح الله- إلى ما لا يتمناه أهل العراق في كل مكان.
مقالات اخرى للكاتب