للوقت أهمية كبرى في حياة الانسان كان من كان، فهذه اللحظات التي تذهب لن تعود والعمر الذي قدره الله عز وجل للإنسان يجب استثماره في ما ينفع الإنسان في دنياه وآخرته. وقت الفراغ لدى الانسان نعمة عظيمة تستحق التقدير والإستثمار، فهو فرصة مناسبة لتجديد النشاط وترويح النفس، وشحذ الهمم، بل هو مظهر تكريم للإنسان، وتقدير لجهوده، ولهذا يحذرنا الإسلام من هدر وقت الفراغ وعدم تقدير نعمته. ففي الحديث الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). فالصحة تقتل الفراغ لدى الانسان وهي من أعظم النعم التي يكثر هدرها وإضاعتها بأبخس الأثمان وأتفه الشواغل، عني كثيرٌ من الناس تضيع صحته، وفراغه بغير فائدة، صحيح الجسم معافى في بدنه، وعنده فراغ، ولكن لا يستعمل ذلك فيما ينفعه وينفع المجتمع الذي يعيش فيه.
لهذا جاء الهدي النبوي يدعونا للاستفادة منهما على الوجه الصحيح بالأنشطة المفيدة الممتعة بما يُعزّز دعم شخصية الانسان الصالح ، والتزامه بقيمة وفضائله، وينمّي فيها حب العطاء، وخدمة المجتمع، والنصح لكل كائن حي ، الفراغ مشكلة ترهق الإنسان وتجعله متعباً أكثر من المرهقين من ممارسة الأعمال اليومية، ويبعث الضجر والملل للفرد، الفراغ هذه الكلمة التي تكون السبب والمعيق الأساسي في الاستفادة من الطاقات الخلاقة التي تحتاج إلى تحفيز وتوجيه وتوعية للخروج من دائرة الفراغ الذي يتحكم بأغلب شبابنا .فالفراغ يجعل صاحبه يدور حول نفسه ولا يدري ما يفعل، اذا لم يكن يدرك كيف يبرمج لها حياته بالإضافة إلى أنّه قد يشكل بداية إلى طريق الكآبة والإصابة بالهم. كذلك فإنّ "الفراغ قد يؤدي بالفرد إلى الإصابة بأمراض نفسية، وذلك ما سينعكس سلباً على الفرد نفسه والمجتمع، ما يعني أنّ الفرد من دون قيمة . مرحلة الشباب من المراحل الهامة في حياة الإنسان وهي انتقالية من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى الرشد وبالتالي فهي مرحلة إعداد للحياة المستقبلية أي إعداد للحياة المهنية والأسرية وتتصف بمجموعة من الخصائص أهمها الحاجة إلى الانتماء والمكانة والتقدير الاجتماعي والأقران والتملك والاستقلالية حيث تظهر هذه الحاجات لدى جميع الشباب ولكن بنسب متفاوتة تؤثر فيها مرحلة نموهم السابقة وتنشئتهم الاجتماعية.
ومن المؤسف في العراق ان طرق الانزلاق في المجتمع اصبحت كثيرة نتيجة الانحراف السياسي والامني والثقافي و هي اساليب مرفوضة وخطيرة يرفضها المجتمع والتي لا تنتج خيرا للجيل الحاضر والقادم, ، وقد اضحت وسيلة الى تدمير الكثير من المراهقين والشباب من الجيل الحالي حتى دب في كيان من تجاوز هذه الاعمار ايضاً ، وهي من افرازات السنوات الماضية من التغيرات السياسية حيث حصلت فجوات سلبية كبيرة جدا على هيكلية المجتمع ، بفعل الانفتاح الكبير أمام العالم ، وعاصفة العولمة ، مع دخول النهضة التكنولوجية في مجال الاتصالات والانترنت ، والأكيد أن كل جديد يحمل كل الوجوه ، ويعتمد على وعي الإنسان ونمط تفكيره وتربيته ، فيكون تأثيره سلبا أو إيجابا بحسب الاستخدام ،
وقد أنتجت سلوكيات خطيرة وشادة قد تهدم المجتمع وتحتاج الى جهود مشتركة بين الدولة والعائلة للقضاء على هذه السلبيات. ومنها تشديد المراقبة على الاماكن التي اصبحت بؤر للفساد والافساد(( المقاهي والكافي شابات غير المنضبطة والمختلطة والتي تتعامل بالجنس)) ولعل الظروف التي مرت بالبلد من الاسباب المهمة التي جعلت من الشباب ان يلتجئ الى هذه الاماكن ومن الامور الخطيرة هي ان هذه البؤر اكثرها بعيدة عن اعين رجال الامن وتفتقر الى تنظيم علمي يتناسب مع عادات وتقاليد المجتمع ولعل رضوخ هذه الاماكن الى التفتيش المستمر كي لاتكن هذه الأوكار مرتعاً للمجرمين وخلايا لانتاج الارهابيين على الدوام والمنحرفين ومن الظروريات المهمة هي ان تكون تحت اشراف السلطة بعد منحها اجازات مشروطة ومن أهم الأسباب التي تدفع بالشباب للسقوط في وكر هذه المجمعات المشبوهة ، "هو ان الدولة غير قادرة على مراقبتها ولا توجد لديها برامج او دراسات معينة تستطيع لجمها اولاً بسبب الظروف الامنية الغير مستقرة ومنها الارهاب الذي غزى البلد" " وثانيا عدم وجود أماكن ترفيه صالحة في الأحياء الفقيرة تستطيع من هظم اوقات فراغات افراد المجتمع المختلفة " فتصبح مثل هذه الزوايا متنفسهم يرتادها افراد المجتمع بعيداً عن الضوابط الخلقية في الكثير من الاحيان ، لذا على الدولة الإسراع في بناء نوادي رياضية والاكثار من الملاعب المنظمة والمسابح النظيفة وتوفير المستلزمات التي تحتاجها تحت اشراف وزارة الشباب ومكتبات عامة تحتوي الكتب التي تستطيع من املاء رغباتهم وتوفير ادوات الاتصال الحديثة التي توفر الجهد والوقت لهم وفي صالات خاصة يتم بنائها بطرق معمارية حديثة مشوقة لجذب هذه الطبقة الاساسية لبناء المستقبل ,على ان تحتوي مستلزمات الاستراحة ومطاعم ومولات متنوعة الاهداف ،
والاستفادة من التقنيات الحديثة ؛ كالكمبيوتر والإنترنت في إثراء المعارف، وتعدُّد مصادر المعلومات، ومزاولة الألعاب المفيدة، وحضور المحاضرات والندوات، وتعويدهم الاستفادة من أوقات الفراغ بالقراءة والاطلاع . كل هذه النشاطات من شأنها أن تريح نفس الإنسان، وكي لا يشعره بالروتين القاتل، وتساعده في إدارة وقته بالشكل الصحيح.
لذلك علينا أن نتذكر دائماً أن الوقت الذي يذهب لا يعود، وأن الله سيحاسبنا على ما يضيع من عمرنا هباءً. وجود وقت متسع من الفراغ لدى أعداد كبيرة من الشباب يؤدي إلى الإنخراط للهو والعبث والجلوس على المقاهي أو التسكع في الشوارع والطرقات . ومثل هذه الحالة من اللامبالاة واللاجدية قد تنمي في الشاب عادة الإهمال والتسيب ، وقد تدفعه نحو الإنحراف والضياع ، إلى جانب عدم الإستفادة من وقته ، وعدم استغلاله أو استثماره استثماراً مفيداً .
الوقت كما يقولون من ذهب . ومن شأن وجود وقت كبير من الفراغ أن ينمي عادات سلبية كالكسل والتراخي ، وكما يقول المثل الانجليزي السائر بأن الشيطان يجد عملاً للأيدي العاطلة لكي تعمل .وفي القران الكريم ( إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) [الإسراء: 53 .
إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، فالوقت الذي يذهب هباءً دون أن يستفيد منه صاحبه وبالتالي يذهب من عمره، لذلك يجب علينا أن نحسن استغلال وقت الفراع، فالذي يحسن استغلال وقته في سبيل منفعته لا يجد وقت فراغ ويكون ناجحاً في حياته .وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم اذ قال (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسده فيم أبلاه). ولا يمكننا أن ننسى دور مؤسسات القطاع الخاص، فهناك ضرورة أن تفتح المجال لتدريب الشباب واستغلال الفراغ والطاقات الشبابية، في الوقت الذي نرى فيه أن غالبية من يعيش الفراغ من الشباب هم الطلبة، ومن الضروري أن يسعوا إلى الإندفاع ذاتياً نحو التنمية العلمية التي ستساعدهم على شغل أوقاتهم لتعم الفائدة لهم وللمجتمع وتقع المسؤولية الاخرى والتي لاتقل عن اهميتها عند الدولة هي العائلة التي يجب ان تتعامل مع أوقات الفراغ كجزء من عملية التربية، ويجب على الأسرة استثمار أوقات الفراغ بالشكل الصحيح الأمر الذي ينعكس إيجابيًّا على حياة الفرد ومستوياته المهنية والشخصية والاجتماعية .
لا بد من ترشيد أوقات الفراغ بحيث تستثمر طاقات الاولاد في الأنشطة والهوايات التي ترضي ميولهم وتساعد في وقايتهم في كشف المشكلات الجسمية والنفسية. . برامج شغل أوقات الفراغ يجب أن تعد إعداداً جيداً، لتقابل وتشبع حاجات محددة وإلا فإنها تتحول إلى مضار. وإذا كانت خبرة الفراغ متكاملة ومعدة جيداً فإنها تترك الفرد منتعشاً، منجزاً، راضياً، يشعر بسلام مع نفسه ومع بيئته لأنها تشبع حاجات هامة لديه وهذه هي أهم علامات الصحة النفسية. ولهذا فإن دراسة وقت الفراغ والتعرف على أنشطته ذات أهمية كبيرة للمهتمين بمشكلات المجتمعات .
ويتم توجيهه إلى نشاط حر يلبي الاحتياجات النفسية ومن هنا يجب المساهمة في رفع مستوى صحتهم النفسية وهناك أيضاً الأنشطة الرياضية وهي التمرينات التي يمارسها الشباب والتي تساعد للتخلص من التوتر النفسي والمشكلات الجسمية وينشط عندهم الدورة الدموية .
ولاشك ان مشكلة استغلال وقت الفراغ مشكلة تؤرق الجميع، لا سيما كبارالأسرة لكيفية استغلال أبنائهم لوقت فراغهم، وهذا يعود للخطط المرسومة للفئة العمرية المخطط لها، وطبيعة المرحلة من حيث خصائص النمو العقلي والنفسي والاجتماعي. نقول زيادة وقت الفراغ قد تكون مشكلة ولكن نقصه أيضاً يسبب مشكلة للشباب وخاصة لأنه فرصة لنمو شخصيتهم وإذا لم يحسن الشاب شغل أوقات فراغه والاستفادة من هذا الوقت بشكل صحيح فإنه سيؤدي إلى الشعور بالنقص والملل والضجر وقد يؤدي ببعض الشباب إلى اتباع سلوكيات منحرفة كالإدمان على المواد المخدرة والعقاقير والتدخين أو الجنوح .
مقالات اخرى للكاتب