من المسجد يبدأ كل طالب علم، من حلقة درس... وبعد عقود طويلة يصبح مرجعاً في العلم.
و من المسجد بدأ مقتدى الصدر، من جريمة قتل ...وبعد أشهر قصيرة اصبح مرجعاً في الإجرام.
****
أول جريمة له كانت قتل مجيد الخوئي في "مسجد" الامام علي.
تلك الجريمة الواضحة الغامضة كانت مفتاح دخول مقتدى الى عالم السياسة...الجريمة التي اشترك في التستر عليها الاحتلال الامريكي والسياسيون الحريصون فقط على مصالحهم على طول الخط.
وكما ظهر البعثيون وفدائيو صدام و الحرس الجمهوري أوّل الامر كقوة مقاومة للاحتلال ثم تحولوا الى صحوات ووزراء ونواب في صفقة مع المحتل، فقد تحول مقتدى الصدر بعد سلسلة من " أعمال المقاومة "! الى قائد عسكري، وزعيم سياسي، ومرجع لكتلة تملك ثلث الحكومة وربع البرلمان وخمس الثروة ويطمح في السيطرة على كل السلطة وكل الثروة.
كواليس الصفقة مع الامريكان ووسطاؤها وشروطها بقيت طي الكتمان، فالقتل مصير من يفشي اسرارها من الشهود الاحياء، لكن التي تحمل في الليل تلد في النهار، وما لبث الوليد ان راى النور في لقاءات رسمية بين بطل مقاومة الامريكان مقتدى الصدر ، وبين أدرات امريكا: الملك عبد الله والشيخ حمد، والرئيس اردوغان، والرئيس مسعود، كما ظهر الوليد في سعي مقتدى الدؤوب للجلوس على كرسي مرجعية الشيعة العليا.
***
بسرعة فائقة تحول مقتدى من شاب مغمور فاشل في المدرسة والحوزة، الى زعيم يملك السلاح والمال ويوسع نفوذه سعياً نحو المرجعية العليا للشيعة، مستخدماً نفس الموهبة التي دخل من خلالها المسرح السياسي: القتل... كل من يشكل خطراً عليه يُقتل اويهدّد بالقتل، وكل من يرفض الابتزار المالي لتياره يقتل او يهدد بالقتل، وكل من يكتب ضده يقتل او يهدد بالقتل، فان كان الكاتب مقيماً في الخارج فيهدد بقتل اقربائه في الداخل، وهذا هو سر سكوت كل الاقلام وكل الاصوات وكل الاشخاص عن نقد مقتدى في الداخل، بينما تتواصل طلباتهم لكتاب الخارج (الذين ليس لهم اقرباء في الداخل) بضرورة فضحه وتعريته لأنهم في الخارج آمنون من انتقامه.
يكفي مثلاً ان نمرَّ على صفحة الكاتب المقيم في امريكا الدكتور اثير ادريس في الفيسبوك والتي اغلقت بسبب تهديد مقتدى بالانتقام من اقربائه ان لم يسكت، مما اضطر الاخير الى اغلاق صفحته وكشفه للتهديد في اخر منشور له فيها.
قرار الدكتور اثير ادريس بالسكوت لم يكن الاول من نوعه، فقد سكت عباس الربيعي أيضاً فاستجاب للتهديد المنشور ضده على موقع مقتدى الرسمي، ولم يسمع احد بعدها من عباس الربيعي ما يزعج سماحة القائد الضرورة.
اما الذين (تأدّبوا) - بعد ان اتعظوا من مصير من تجرّأ وانتقد- فهم قائمة طويلة من الكتاب والمثقفين الذين يتجنبون نقد مرجع القتل خوفاً على انفسهم ( إن كانوا في الداخل) او على اقربائهم ( إن كانوا في الخارج).
***
انها ظاهرة ملفتة ان تجد كتّاباً لامعين تنطلق السنتهم بالنقد لكل شخصية وكل كيان وكل فكر لهم عليه ملاحظات، لكنهم يخرسّون تماماً فلا يذكرون مقتدى الصدر ولا تياره ولا " افكاره العظيمة" الا بخير!
لقد اقتفى مقتدى خطى صدام في تخيير كل المثقفين بين التسبيح بحمده، او السكوت عن نقده...والا تعرضوا لانتقام صدام (ان كانوا في الداخل)، أو تعرضت عوائلهم للانتقام (ان كانوا في الخارج).
***
لا يقتصر الخوف من القتل على الكتاب السياسيين، بل يمتد الى الادباء والشعراء الذين يشعرون بالقرف عندما يقرؤون لمقتدى نصاً كسيحاً مفككاً، او يتقيأون عندما يسمعون له خطبة غير مكتوبة، أو يفكرون بالانتحار عندما يقارنون شعر المتنبي والبحتري والجواهري مع شعر مقتدى الذي تفوح منه رائحة الـ... في قصيدته العصماء (تركنا العدو علينا...) https://youtu.be/X6mzmP9wyCk
ويصل الخوف الى الاطباء الذين لا يجرؤون على التصريح بتشخيصهم لوضعه العقلي (الذي تفضحه نظراته الزائغة)، كما لا يجرؤون على تقييم اكتشافه العبقري في توليد البكتريا من الحموضة و الحلاوة.
ويمتد الخوف الى طلبة الحوزة الذين تنتفخ أوداجهم وهم يحبسون قهقهاتهم عندما يسمعون لأول مرّة بأحكام الطرشي المدبّس، او بالبكتريا النجسة التي غفل عنها أعاظم فقهاء الامامية وأئمة المذاهب الاربعة منذ عصر التدوين الى الألفية الثالثة...فمن يصرح برأيه يُقتل... عليه ان يسكت؛ والا جرى اسكاته بطرق ظاهرية وباطنية.
مصيبة طلبة الحوزة والكتّاب والمحللين السياسيين والشعراء والادباء والاطباء تهون امام مصيبة العلماء الذين يتفرجون على مقتدى وهو ينطق باسم المرجعية، ويتصدى لشؤون المرجعية، وهو أمّي تماماً في العلوم الدينية؛ فلا يملكون ان يصرّحوا بنقد او نقض لأن من يصرح برأيه يقتل... عليه ان يسكت؛ والا جرى اسكاته بطرق ظاهرية وباطنية.
***
لقد تجرّأ حسن العلوي أيام جبروت صدام وأصدر كتابه "جمهورية الخوف"، لكنه لم ولن يجرؤ ان يقول كلمة واحدة لا تعجب مقتدى الصدر...حسن العلوي - وهو الكاتب الفطحل والاديب القدير- مضطر لكظم غيضه امام شعر مقتدى ونثره، عليه ان يسكت ولا ينبس ببنت شفة حول نهج بلاغة مقتدى... عليه ان يتحدث بكل احترام عن سماحته بينما يبصق في داخله على الزمن الذي جعله يذكر سماحته بخير.. هو مضطر لذلك، فمن يصرح برأيه يقتل.. عليه ان يسكت؛ والا جرى اسكاته بطرق ظاهرية وباطنية.
الامر نفسه ينطبق على كل الصحفيين والاعلاميين والكتاب والمثقفين في العراق الذين أتفهّم موقفهم... هؤلاء تناولوا جميع السياسيين و المسؤولين بألوان النقد والتشريح والتجريح، ولم يسلم منهم سياسي واحد، فهم أُسودٌ على الجميع..لكنهم يصبحون نعامات عندما يصلون الى مقتدى فلا يذكرونه الا بخير!!
هل عجز جميع الكتاب والاعلاميين والمثقفين داخل العراق عن العثور على اي ملاحظة في مقتدى أو أنصاره مهما كانت طفيفة؟
معقول؟
***
ان الدكتاتور مقتدى الصدر هو الاصدار الثاني من صدام حسين في إسكات المعارضين بطرق ظاهرية وباطنية.
***
همسة في اذن الجميع:
هل ستبقون ساكتين الى ان تقولوا ذات يوم: أكلت يوم أكل الثور الابيض؟
مقالات اخرى للكاتب