يشهد العراق منذ احتلاله عام 2003 مراحل الإنهيار والتحلل من صيرورة الأمة العراقية ذات النسيج النفسي والعاطفي الموحد ، الى مجموعة طوائف ومكونات فرعية ذات جذور عنصرية ودينية وأثينية ومذهبية استجلبت أحزاب وتيارات تحمل ذات الجينات .
الإحتلال يسجل ولأول مرة في التاريخ السياسي والإجتماعي العراقي ظاهرة انفجار المكونات الداخلية للمجتمع العراقي الزاخرة والمتآصرة ، ويحوله الى مجتمعات صغيرة تدعى دولة المكونات التي تهيمن عليها الهويات الاثينية والطائفية والقومية ، التي صارت تسعى لتأسيس دويلات صغيرة تقوم على اساس التنافس والتخالف والتصارع مع بعضها في إطار مسمى { الدولة الديمقراطية } التي تعتمد دستورا أعطى الأولوية والأهمية للمكونات الفرعية على حساب هوية المواطنة ومفاهيم الامة الواحدة العابرة للطوائف.
تلك هي الازمة العراقية الكبرى التي ستنشأ عنها أزمات تجعل العراق يدور في دائرة مغلقة من الاشكاليات ، وأزمات الوجود والهوية والتمزق والتشظي ، وبالتالي موت الامة العراقية بعد ان ينشب الإقتتال بين هذه المكونات التي تتطلع للإنفصال من إطار التبعية وتؤسس لإماراتها الساعية لفرض إرادتها وهيمنتها بمعزل عن الدولة الأم ..!
تفريغ إمارات طائفية تحت مسمى الفيدرالية ..! اي تجزئة الموحد .
هذا الواقع ليس متخيلا ، وانما هو برسم التكوين والنشوء اذا ما قمنا بقراءة صريحة وشجاعة لإفرازات السنوات العشر الماضية .
ان الأنماط السياسية والسلوكية لأحزاب الطوائف والقبائل والتيارات التي تصرح علنا بفقدان هوية الدولة الواحدة ، والموقف الواحد أزاء مايتعرض له العراق من تهديدات خارجية استراتيجية تنبئ بأنهاء وجوده ومثال ذلك قطع الروافد ومنع المياه عنه من دول الجوار تركيا وايران تقويض الحياة الزراعية في جنوب العراق ، جراء مياه البزول الايرانية المالحة التي صارت ترمى في شط العرب ، وكذلك في الموقف من غلق الممر البحري للعراق من قبل الكويت التي ابتدأت ببناء ميناء كبير متاخم للممر المائي العراقي ، بما لايسمح بحرية الملاحة فيما تبقى من ممر مائي ضيق سيخنق العراق ، ناهيك عن سرقة النفط العراقي في المناطق المتحاددة ، وغيرها من المواقف التي وقف العراق أزاءها ضعيفا مترددا ومستسلما لقدره وضعفه بسبب وجود سلطات هشة وصورية ترمي الى أهداف بعيدة ولاتلتقي مع بناء دولة قوية موحدة يسودها العدل وسلطة القانون ومنهج الحق والمساواة .
حكومة الطوائف والمحاصصة تأخذها العزة بالأثم عن ممارسة دور البناء وترسيخ القانون وتأكيد اللحمة الوطنية وتجنب العصبيات الطائفية والعنصرية .
حكومة تقوم على منهج الاستعداء الطائفي والصراعات المفتعلة وتمارس التزوير والفساد والسرقة بتناسب يرضي الجميع ، كأحد الثوابت في السلوك وتقاسم النفوذ والأموال ، تحارب النزاهة وتشيع الفساد بل تجعله القاعدة في التعامل والإجراء ولاتسمح بالاستثناء السليم المتمثل بالإخلاص والنزاهة والإنتاج المبدع .
مقالات اخرى للكاتب