نشرت جريدة العالم بتاريخ 15/8/2016 مقتطفات ضافية من تصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، نقلاً عن وكالة "أرنا" الإيرانية، تطرق فيها إلى خمسة مسائل: ضعف الحكومة الراهنة والغارقة في الصراعات الداخلية؛ الدعوة إلى انتخابات جديدة لتشكيل حكومة أكثرية برلمانية؛ اتهام السعودية بأنها منبع للإرهاب وضرورة فرض الوصاية الدولية عليها؛ وشكك المالكي في التآمر على الحكومة التركية؛ ثم اتهم الولايات المتحدة بأنها السبب في كارثة سقوط واحتلال الموصل.
ولدى نوري المالكي القناعة الفارغة والدَّعية بأن حكومته كانت قوية ولم تعان من صراعات وتفكك بالمقارنة مع حكومة العبادي، رفيقه في قيادة حزب الدعوة الإسلامية، الضعيفة والمتهاوية. القول بضعف حكومة العبادي لا غبار عليه، ولكن الادعاء بقوة حكومته وغياب الصراعات السياسية فيها ليس ادعاءً فارغاً فحسب، بل هو التعبير الصادق عن إن هذا النرجسي كان وما يزال يعيش في الوهم ومغترباً تماماً عن واقع العراق والسياسات الاستبدادية القاتلة التي مارسها والتي كلفت البلاد ضحايا تقدر بعشرات المرات أكثر مما حصل سنوياً في فترة حكومة العبادي الضعيفة، كما أنه المسؤول عن كل الكوارث التي حصلت بالعراق منذ العام 2006 حتى صيف العام 2014، بل وحتى الآن. والفارق الوحيد بينهما هو أن المالكي كان السبب، ومعه الإدارة الأمريكية، في كارثة احتلال الموصل وبقية أقضية ونواحي وارياف نينوى وصلاح الدين والأنبار والحويجة، وما حصل فيها من إبادة جماعية وسبي واغتصاب وتهجير وتشريد، في حين يتم الآن في حكومة العبادي الضعيفة حقاً طرد المحتلين الداعشيين الأوباش من العراق. وفي ما عدا ذلك ينطبق المثل الشعبي عن هذين الشخصين "غراب يگلة لغراب وجهك أبگع". أما دعوته لانتخابات جديدة وعاجلة فهي باطلة بسبب الأوضاع المحيطة بالواقع العراقي الراهن واحتلال الموصل والمشكلات التي ما تزال قائمة مع إقليم كردستان والنزوح الهائل لعدد من المحافظات العراقية، فالمطالبة بانتخابات عامة حالياً غير واردة ولا تأتي بجديد، إلا بالذين نهبوا البلاد والعباد باسم الله ورسوله وأهل بيته!! فهو مطلب حق يراد به باطل وبعيد عن الواقع في الظروف الراهنة!
لا شك في أن السعودية منبع الإرهاب، وهو قول صحيح، والمالكي لا يأتي بجديد. ولكن السؤال هو: ما الموقف من الحليفة إيران التي تعتبر المحتلة الفعلية للعراق وإرادته وسياساته، والمهيمنة على اقتصاده فعلياً، في حين ما تزال السعودية لم تحتل العراق، ولكنها ساهمت في تكوين المنظمة الإرهابية التكفيرية المجرمة "داعش" بالتنسيق مع تركيا وقطر، وبدعم أمريكي غير مباشر. إن نوري المالكي يطالب بالوصاية على السعودية، وهي الدولة الطائفية التي تخوض القتال في أكثر من بلد عربي بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن ألا تشارك إيران في ذلك أيضاً، وهي الدولة الطائفية التي تحارب في اليمن وسوريا ولبنان عبر حزبها، حزب الله، وبالعراق بالمليشيات المسلحة والحرس الثوري الإيراني لا حباً في عيون العراقيات والعراقيين بل عشقاً في الهيمنة الفارسية الشيعية الصفوية وفرض ولاية الفقيه على العراق كله! لقد استطاعت السعودية بأموالها أن تمنع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار إدانة لجريمة قتل الأطفال باليمن، وهي الحليفة القوية للولايات المتحدة، فكيف يمكن فرض الوصاية عليها، إنه وهم وعدم إدراك لطبيعة العلاقات الدولية.
لم تكن المؤامرة التي وقعت بتركيا من تدبير أروغان بشكل مباشر، بل كان أردوغان قد استفز الجيش وعجل في وقوع الانقلاب واستعد له، حين صرح قبل الانقلاب بأنه ينوي إجراء تطهير واسع النطاق في القوات المسلحة والجهاز المدني. وخشية من حصول ذلك، قامت فصائل من الجيش بذلك الانقلاب، رغم إن قوى الانقلاب ليست أفضل من حكومة أردوغان ولا من غريمه فتح الله غولن، فهذه القوى إسلامية سياسية متطرفة.، ومناهضة في حقيقة الأمر للديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية وطائفية سنية في مناهجها الإخواني، وهي لا تختلف عن الشخصية الطائفية الشيعية المتطرفة في طائفيتها نوري المالكي.
يقول نوري المالكي أن الولايات المتحدة كانت تعرف بوجود داعش وتقدمها صوب الموصل. ولا اشك في هذا التصريح. ولكن، عليه أن يوضح للشعب، كيف علينا أن نفهم أن المالكي ذاته كان يعرف بتقدم ما يقرب من 700 مجرم من مقاتلي داعش صوب الموصل، وهو القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، وكان لديه بالموصل عشرات الألاف من الجنود والضباط وضباط الصف والشرطة والأمن بالمدنية ولم يدفعهم لمقاتلة العدو، بل اعطاهم الأوامر بالانسحاب أمام هؤلاء الأوباش، على وفق تصريحات وأقوال الضباط الكبار المسؤولين عن الجيش بالموصل وعموم نينوى.
إن التحقيق الذي تم حول ما حصل بالموصل لم ينشر بكامله ولم يحاسب نوري المالكي أمام القضاء العراقي، ولهذا فهو لا يتورع من أن يتحدث بصوت مرتفع دون أن يستطيع الشخصية الضعيفة في حزبه، العبادي، أن يتحداه ويطالبه بكشف الحقيقة ويطالب بتقديمه إلى المحاكمة. إن صراع المالكي مع العبادي محمي بتأييد إيران له ورغبتها الجامحة بعودته لحكم العراق ثانية، وإلا لكان الرجل يقيم اليوم في الاعتقال لغرض التحقيق معه، على وفق الكارثة والاتهامات الكثيرة الموجهة له من خبراء قانونيين وسياسيين مطلعين على واقع العراق في فترة حكم نوري المالكي، بما في ذلك ضياع مئات المليارات من الدولارات العراقية.
مقالات اخرى للكاتب