اعتذر الأستاذ عباس محمود العقاد الحاصل على الشهادة الابتدائية عن قبول شهادة الدكتوراه الفخرية التي منحتها له جامعة القاهرة ، وكانت حجته : من ذا الذي يقدر أن يمتحن العقاد ويعطيه الدكتوراه ؟!.
وكان عميد الأدب العربي طه حسين يأنف أن يسبق اسمه ( الدكتور ) ، ويرى أنها من النعوت التي لا تغني ، ومن الصور الكاذبة التي لا تصوّر شيئاً . ويومها كان يرفض بوصفه عميد كليّة الآداب أن يمنح الدكتوراه الفخرية لكبار السياسيّين ، فكتب احتجاجاً كتابه الشهير ( مستقبل الثقافة في مصر ) .
وفي ذلك الزمن الفائت ، كانوا يلقّبون الأستاذ زكي مبارك بالدكاترة مرّة واحدة ، لحصوله على ثلاث شهادات دكتوراه في الفلسفة والتصوّف والأدب . ومبارك صاحب الرواية الجميلة ( ليلى المريضة في العراق ) المستوحى عنوانها من بيت شهير لمجنون ليلى العامريّ ( يقولون ليلى في العراق مريضة ) وهذه الرواية من أمتع ما كُتب في أدب الرحلات .
وفي وقت من الأوقات تظاهر أساتذة وطلبة جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة ، واعترضوا على قبول مالئ دنيا السياسة ، وهاتك قلوب العذارى الدكتور هنري كيسنجر أستاذاً للعلاقات الدولية وعضواً في هيئة التدريس .
ويكفي أن نعرف أن أساتذة كباراً من أكفأ العقول العراقيّة شغلوا كرسيّ الأستاذيّة ، وخرّجوا أجيالاً في الأكاديميّة ، لكنهم لم يحصلوا على شهادة الدكتوراه . يكفي أن نستذكر عبد الرحمن البزاز في القانون ، وناجي معروف في التاريخ ، وطه باقر في الآثار ، وإبراهيم الوائلي في اللغة العربية ، ومدني صالح في الفلسفة .
اليوم ، ماذا يمكن أن نقول أمام هذا السيل العرم من شهادات الدكتوراه التي تموج بالألوف المؤلفة من ( الدكاترة ) ، والجامعات التي تمنح الشهادات بالمراسلة ، منها الصحيحة ومنها المزيّفة ، بكميّات تصلح للتصدير ، فعلى هذا النحو تفقد الشهادة قيمتها ، ويصبح الأمر غير مستساغ !.
رحم الله الشيخ جلال الحنفي الذي كان يستكثر على أمثالهم كلمة ( دكتور ) ، فيكتفي بالإشارة إليهم ب ( الدال ) ويسقط باقي الحروف .