يقصد بالعقيدة الامنية للدولة هي مجموع الاراء والمعتقدات والمبادئ التي تشكل نظاما فكريا لمسالة الامن في الدولة ، تكتسب العقيدة الامنية اهمية بالغة باعتبارها دليلا يوجه و يقرر به القادة ، للسياسة الامنية للدولة ببعدها الداخلي والخارجي وعليه نشأت العلاقة بين العقيدة الامنية والسياسة الخارجية اذ تمثل العقيدة الامنية في جوهرها مبادئ وأطر دستورية أو حتى أخلاقية تحدد توجه القادة السياسيين في سياستهم الخارجية ، فهي تعد التعريف الجيو - سياسي لمصالح دولته ، و يمكن القول ان العقيدة الامنية تمد الفاعلين الامنيين في الدولة بإطار نظري متناسق من الافكار يساعد على تحقيق اهداف الدولة في مجال امنها الوطني، ان العقيدة الامنية لاي بلد هي التي تحدد ،الأمن لمن ؟ لصالح أية قيم ؟ في مواجهة أي شكل من المخاطر ؟ وما هي الوسائل المستعملة لتحقيق هذا الأمن ؟ كما تسطرالدول العقيدة أمنية لمحاولة التعاطي مع التحديات والقضايا التي تواجهها ومن خلالها تقوم الدول بتعريف التهديدات والمخاطر التي توجهها ، فهي تمثل تصور امني يحدد المنهجية التي تقارب بها الدولة امنها كما يحدد افضل السبل لتحقيقه ، ويمكننا وضع تعريف إجرائي مؤقت للعقيدة الأمنية في أي جهاز أمني على أنها التعريف الواضح والمتسق للأخطار والأعداء والأهداف الأمنية التي تسعى إليها المنظومة الأمنية «مركب الأجهزة والعقيدة والممارسات والوظيفة الأمنية». فالعقيدة الأمنية من شأنها أن تحدد الأعداء وطرق مواجهتهم وهي المسئولة عن تقدير حجم المخاطر التي تتهدد النظام السياسي.
العقيدة الأمنية المتوارثة بالعراق هي (عقيدة عسكرية غير مكتملة ) (وليست امنية ) والتي اصبحت متنافرة مع العصرحيث لازالت تنظر إلى القدرات العسكرية على أنها أهم مصادر القوة ، فإنه رغم كون المؤسسة العسكرية العراقية لاتزال تؤمن بالقوة ومشبعة بثقافة السوفياتية التقليدية ومؤمنه بكراسات الستينات منهجا وسلوكا وثقافة قومية متطرفة متقاطعة مع حقوق الانسان وثمة عوامل كثيرة ومتعددة ساهمت بصورة أو بأخرى في خلق المناخ الأمني المعقد والقائم على استراتيجيات الإكراه والقسر من بينها التاريخ الطويل المشحون بالحروب والمنازعات والصعوبات المختلفة ، التي واجهها العراق باحزابها السياسية السابقة لتأمين بيئة تحفظ لها مصالحها اي مصالح الاحزاب وليس البلاد ، رغم محاولات قوات التحالف بالسعي لتهياة جيل جديد ونخب عسكرية تطمح إلى بناء دورمهني للجيش في علاقة متوازنة بين الدولة والمجتمع ، وهنا تجدر الإشارة بغياب الرؤية لدى الكتل السياسية التي تشكلت منها الحكومة ، ونحاول بعجالة ان نصل الى ان المرتكزات و العوامل التي ساهمت في تحديد طبيعة العقيدة الامنية في العراق ، منذ بداية تشكيل الدولة العراقية الى غاية الوقت الراهن لاتوجد عقيدة امنية ) بل هناك عسكرية اي (الامنوعسكراتي ) ( وليس الامنوقراط)، رغم تنوع التهديدات و التحديات التي تغيرت مع تغير ترتيبات الدولية وانتقالها من المفهوم الضيق للامن ،من الامن الصلب ، الى المفهوم الواسع للامن اللين ، أن العقيدة الأمنية ليست من مسؤولية المستوى الأمني بقدر ما هي من مسؤولية المستوى السياسي، أن المستوى الأمني يقوم بترجمة ما يصوغه المستوى السياسي من ملامح لهذه العقيدة ، وتستمد مرتكزات العقيدة الامنية توجهها العام من ركائز عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهو من بين المبادئ الثابتة التي تقوم عليها سياستها الخارجية و دبلوماسيتها واحترام حقوق الانسان وبناء مؤسسات الامن والاستخبار وفق المعايير الدولية ، الخلاصة ان غياب العقيدة الأمنية الوطنية العراقية هو بذات الوقت غياب للتصورغير الواضح عن الأهداف الوطنية العراقية.
فالعقيدة الأمنية من شأنها أن تحدد الأعداء وطرق مواجهتهم وهي المسئولة عن تقدير حجم المخاطر التي تهدد النظام السياسي أو القوى السياسية ، ولم تتبلور لحد الان ملامح عقيدة أمنية جديدة لدى أصحاب القرارالأمني في التعاطي مع التهديدات، ولهذا اخفقنا في مواجهة التحديات بسبب التصدي العشوائي لها، حيث العقيدة العسكرية السابقة منحازة بالدفاع عن النظام السياسي السابق وهي عقيدة لأمن النظام متمحورة حول بقائه ، وان السياسيين الحاليين الذين يديرون دفة الحكم لايدركون المخاطر بعدم تمييزهم بين العقيدة العسكرية والعقيدة الامنية ، فاصبحت هناك حاجة بالمرحلة القادمة للحكومة الجديدة المقبلة ان تضع نصب اعينها الجانب الفكري للعقيدة الامنية ، ويتطلب مساهمة الجميع من اصحاب الفكر ومراكزالدراسات والقادة السياسيين بانتاج فكري وطني لعقيدتنا الامنية الجديدة لتمكننا من تحديد الرؤية الواضحة بهذا الموضوع الحيوي اسوة بالعالم الجديد حيث اغلب الدول اتجهت بكتابة عقيدتها الامنية وفق متطلبات العصر ، وليس وفق متطلبات الحاكم.