أحياناً لا تعني لي كثيراً المسائل الكبرى التي لا أستطيع فيها أو إليها سبيلا. مثلا، اعتبار مشاركة العراق في جنيف 2 والتي بشرنا عباس البياتي بأنها مكسبا سياسيا كبيرا واعتراف بدورنا المحوري في أزمات المنطقة، ولم اخدع نفسي وافرح بانشقاق حنان الفتلاوي من دولة القانون، بل انا اضع يدي على قلبي عندما تتفتت هذه الكيانات السياسية ، التي جلبت لنا الخير والامان والاستقرار، والتي لانعرف حتى هذه اللحظة لحساب من يعمل أعضاؤها، ولم اشغل نفسي بالتفكير بالقدرات الخارقة التي يمتلكها امين بغداد نعيم عبعوب الذي استطاع بفضل عبقريته ان يخرج الصخرة العجيبة من "الزاغور".. ولم اعد اسأل عن عدد المرات التي قال فيها صالح المطلك انا مظلوم"ياناس".
ولهذا اتمنى ان نبقى في المسائل الصغيرة، كمثل الذين شردوا من بيوتهم في الفلوجة، ومثل الذين لايجدون عملا في بلد تجاوزت ميزانيته مئة مليار دولار، ومثل الملايين الذين يحلمون بالأمان، ويتمنون ان لا يتحول الاستقرار والطمأنينة والعدل الى قضية كبرى وحلما لا يبلغه إلا "الاحباب والاصحاب"، ولهذا اريدك منكم ان تعرفوا النبأ الجديد الذي خرج من بغداد امس: رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي يحذرنا من ان الوضع في العراق يمكن ان يصبح مشابها لما يجري في سوريا.. تخيلوا العراق "المستقر" يمكن ان يعاني من خطر الفوضى الأمنية.. ولا ادري ماذا يسمي السيد النجيفي حالنا اليوم، ونحن نعيش اسرى للعتمة والخوف والفساد وغياب الخجل والضمير السياسي.
لا وجود للقضايا الصغيرة في العراق، التنمية، الاستقرار، لان المواطن المسكين منذ سنوات مطلوب منه الذهاب إلى ساحات تلقى فيها الخطب وترتفع فيها الشعارات عن الحقوق التي سيتفضل سيادته بالتكرم والتعطف ومنحها لهم، عن ايادي "الخير" التي بيدها مفاتيح كل شيء، ولاننا حتى هذه اللحظة لانعرف ماذا تعني مؤسسة الاسكان، ولانريد ان نصدق ان هناك وزارة للكهرباء وللتخطيط وللمالية، فشعار المرحلة وكل مرحلة هو الهتاف بحياة "القائد" الذي سيوفر السكن والخدمات والامن.. فقط لو صمت "المشككون".
هل مازلت تبحث عن القضايا الصغيرة؟ اذن اقرأ هذا الخبر: فقد طالب أهالي محافظة الناصرية القضاء العراقي بفتح تحقيق بسبب الفساد الذي حصل في توزيع قطع الأراضي وجاء في بيان للأهالي ان قطع الأراضي في الناصرية تم توزيعها على أقارب المسؤولين والغريب في الخبر الذي نشر على ذمة العديد من الوكالات ، ان اصحاب االدعوى يشتكون من عائلة "جهل" التي يتهمونها - على ذمة البيان - بالاستيلاء على معظم الاراضي التي وزعت.
اذن ايها السادة نحن شعب يتنقل من مسلسلات ، ابناء واقارب " القائد الضرورة ".. إلى مسلسلات عائلة "جهل" وكأنما كتب علينا ان نعيش في عصر ابي جهل الذي يتفاوض على شراء ناد انكليزي بأموال الحصة التموينية ، التي سرقها تحت سمع وبصر الاجهزة الامنية ، وان نتسمر امام حلقات ابو جهل الذي يتمتع بصفقة السلاح الروسي في عواصم اوربا، وان لانغادر مسرحية ابو جهل التي قام ببطولتها ضباط وقادة تخصصوا في مهنة تهريب الإرهابيين من السجون. ولهذا يراد منا دوماً ان نطمئن الى ان مسلسل ابو جهل لم تنته حلقاته بعد.. لا تخافوا ايها السادة فسنظل نعيش في عصر القضايا الصغيرة ولن ننتفض حتى وان سلمنا اصحاب المعالي الى المجهول، أو إلى مصير لا يختلف في شيء عن مصير سوريا كما أنبأنا "العراف" اسامة النجيفي.
والآن دعونا نسأل،هل يمكن أن تقطع هذه الدولة خطوة على طريق المستقبل ما دامت مشغولة بمشاهد وحوارات "ابو جهل" أكثر من انشغالها بمطالب الناس وحقوقهم .. متى يمكن أن يتقدم العراق؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يشغلنا جميعا، ونحن نرى بلدانا نجحت في غضون سنوات قليلة أن تضع شعوبها على طريق الرفاهية.. لا نريد أن نصبح بين ليلة وضحاها مثل سنغافورة والبرازيل.. لكننا نريد فقط أن يذهب "ابو جهل" وقومه إلى متحف الكائنات المنقرضة.
مقالات اخرى للكاتب