مادة للمناقشة: إشكالية النزوح واللجوء من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقا إلى ألمانيا
الثلاثاء, كانون الثاني 26, 2016
د. كاظم حبيب
مرة ثانية مع ملاحظات مهمة حول مقال: مادة للمناقشة: إشكالية النزوح واللجوء من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقا إلى ألمانيا وصلتني من كاتب وصديق عزيز رسالة تحمل بعض الملاحظات حول مقالي الموسوم "محاولة لفهم أسباب ما جرى في عيد رأس السنة الميلادية 2016 بألمانيا"، التي تستوجب الإجابة، تماماً كتلك الأسئلة التي وصلتني قبل ذاك، وأجبت عنها، ونشرت في الحوار المتمدن. وسأحاول الإجابة عن الملاحظات التي تتضمن أسئلة أخرى: ** هناك مسألة ملحة أكثر من السابق وهي أهمية دراسة لغة البلد الأوروبي المُستقبِل، والبريطانيون مثلا يدرسون موضوع جعل تعلم اللغة مسألة إلزامية، حتى بالنسبة لموضوع جمع الشمل العائلي، حيث اقترح كاميرون، إرجاع النساء المسلمات الملتحقات بأزواجهم في حالة عدم تعلمهم اللغة. ** أشرت في الدراسة إنها ظاهرة فريدة، ولكن بعض الصحف هنا أشارت إلى إن ظاهرة التحرش الجنسي والاعتداءات تحصل في مناسبات أخرى أيضا، كما يحصل أحيانا في احتفالات "أكتوبر فيست" بميونيخ، وهذا ما أشارت إليها صحيفة الايكونوميست أيضا. ** هناك سؤال يتبادر إلى الذهن هو، لماذا لم تحصل مثل هذه التحرشات والاعتداءات الجنسية وسرقة الحقائب والتلفونات النقالة في مدن ألمانية أخرى، كبرلين مثلا، وهل هناك تقصير متعمد من قادة الشرطة في كولون وشتوتكارت، من الذين يعارضون سياسة ميركل تجاه اللاجئين. ** إن من المهم، إلى جانب إدانة تلك الأعمال الدنيئة، الحذر من استغلال ذلك من الفئات اليمينية العنصرية المعادية للأجانب، في كل الأحوال، واتخاذ ذلك كذريعة ومبرر لتنشيط دعاياتهم لكسب جمهور أوسع لسياساتهم المتطرفة. ** إن من المتوقع، كما أشرت، اتخاذ تلك الأعمال كذريعة لمنع تدفق اللاجئين، خاصة من سوريا والعراق وأفغانستان، في الوقت الذي تعاني شعوب المنطقة من كوارث إنسانية حقيقية تتطلب مساعدتهم، من منطلقات الدفاع عن حقوق الإنسان أينما وجدت، فما ذنب النساء والأطفال الذين يتعرضون لموت بطيء. ** هناك أهمية أن تركز الدراسة على مقترحات وحلول عملية، منها، أهميه دعم تدريس اللغة، ومساعدتهم، وإعادة تأهيلهم فكريا وثقافيا، لتنظيف عقولهم من ترسبات الفكر الظلامي، وإيجاد فرص العمل لهم لمساعدتهم في الاندماج بالمجتمعات التي استقبلتهم مع الحفاظ على الجوانب الايجابية من عاداتهم وتقاليدهم. ** في القسم الأول من الدراسة استعرضت ثلاثة أسباب جوهرية، ولكنني أجد السبب الأول والثالث يتعلق بأوضاع بلدانهم، ولكن الأول سياسي، والثالث اقتصادي، لذا اقترح إعادة التبويب. ** أجد أن الجزء الثاني يحتاج إلى تطوير وتوسيع، وهو الجانب الأهم، ولكن جاء ضعيفا وغير متوازنٍ مع الجزء الأول. أعتقد لو أن الصديق قد اطلع على إجابتي عن أسئلة الصديق الذي سبقه، لتقلصت الأسئلة. ومع ذلك سأحاول الإجابة عنها من خلال رؤيتي للمسألة بشموليتها المرتبطة باللجوء والهجرة الاقتصادية. 1. إن الحكومات الألمانية المتعاقبة، لم تبد اهتماماً كبيراً بتعليم اللغة الألمانية للجماعات الأولى التي وصلت إلى ألمانيا، وهم العمال الذين جاءوا من تركيا وإيطاليا واليونان ودول شمال أفريقيا بطلب من ألمانيا وساهموا بالفترة الذهبية التي عاشتها ألمانيا وازدهر اقتصادها، بذريعة أنهم ضيوف لفترة قصيرة وسيعودا إلى بلدانهم، ولم يحصل ذلك إلا لعدد صغير جداً من مئات الآلاف من العمال التي قدمت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. واستمرت هذه السياسة الخاطئة حتى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الجديد، رغم إنهم تشددوا في منح الجنسية الألمانية لمن لا يعرف اللغة. تعلم اللغة يعتمد على عاملين، هما: أ) موقف الدولة من ربط البقاء بتعلم اللغة الألمانية إلزامياً، وبدون مساومة، باعتبار ذلك جزءاً من عملية الاندماج في المجتمع الألماني مع توفير مستلزمات ذلك؛ ب) مدى استعداد القادم، أو اللاجئ السياسي، أو المهاجر اقتصادياً أو بيئياً (بسبب عمليات تدمير البيئة والظروف الطبيعية والغابات التي كان يسكنها الملايين من البشر في الكثير من مناطق العالم)، على تعلم اللغة، والاستعداد للاندماج بالمجتمع. والسنوات السابقة توفرت لجمهرة من القادمين فرصة مناسبة، في حين لم تتوفر لجمهرة كبيرة ذات الفرصة، أو لم تستثمر من جانب الوافدين، رغم توفرها. ويمكن أن يتكرر هذا الأمر مع من يفد إلى ألمانيا، على أساس جمع الشمل، ما لم يتم تطبيق شرط تعلم اللغة بعد الوصول مباشرة، إذ لا تتوفر بالضرورة مثل هذه الفرصة لهم في أوطانهم، قبل اللجوء أو الهجرة. المعلومات المتوفرة لديّ تشير إلى أن بعض القادمين من طالبي اللجوء يقولون للمترجمين، بلغة اعتراض واحتجاج شديدين: نحن جئنا كلاجئين وعليهم استقبالنا واحتضاننا، ولم نأت لنتعلم اللغة الألمانية أو العمل هنا. وهذا يعني أنهم جاءوا للعيش على حساب دافعي الضرائب الألمان والعيش بكسل وبطر، كتنابلة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني. هذه المعلومة مؤكدة لا شك فيها، ولكنها ليست عامة ولا تنطبق على الأكثرية. إذ مثل هؤلاء القلة، قد قرروا منذ البدء، عدم تعلم اللغة، وعدم العمل، والعيش على حساب دافعي الضرائب الألمان. وهؤلاء سوف لن تكون ألمانيا مكاناً مناسباً لهم. 2. نعم، إن ما حصل ليلة عيد رأس السنة الميلادية 2016، كانت ظاهرة فريدة بألمانيا، إذ من خلال وجودي هنا ولفترتين، أثناء دراستي بألمانيا 1959-1964، ومن ثم كمستقر فيها منذ العام 1989 حتى الآن، لم تحصل مثل هذه الظاهرة السلبية. وكل الدلائل تشير إلى إنها لم تحصل خلال الفترة الواقعة بين الحرب العالمية الثانية وليلة وقوع الحادث المفزع. إن التحرش الجنسي موجود في جميع بقاع العالم، والنساء هن ضحايا هذا التحرش باستمرار. وفي ألمانيا هناك تحرش جنسي أيضاً، أثناء العمل أو على مقاعد الدراسة، أو في الشارع، أو في الاحتفالات. ولكن هذا التحرش كان، وربما سيبقى ظاهرة فردية ومحدودة، وكذلك العنف، وليس فعلاً جماعياً، كما حصل بكولون وهامبورغ على نحو خاص. والفارق كبير جداً بين الحالتين. والسرقة موجودة، وبيع المخدرات أيضاً. 3. لا شك في أن ما حصل بكولون وهامبورغ، كما تشير إليه بعض المعلومات، على أنه اتفاق تم بين بعض الجماعات من شمال أفريقيا، وعبر التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) مثلاً، وإلا من غير المعقول أن يقع مثل هذا الاعتداء الوحشي وبهذا العدد الكبير صدفة ودون سابق اتفاق. لا شك في أن ما وقع تتحمله أيضاً الشرطة المحلية التي عوقب رئيس جهاز الشرطة بإحالته على التقاعد، لأنها لم تتخذ الإجراءات الكفيلة لمواجهة حالات محتملة من التخريب أو تفجيرات إجرامية مثلاً. ولم يحصل ذلك ببرلين، بسبب الاستعدادات الواسعة جداً، والمهمة جداً، التي اتخذتها شرطة برلين خشية صول انتحاريين إلى منطقة الاحتفالات أمام بوابة براندنبورغ وفي شارع أونتر دير لِندن (تحت ظلال الزيزفون). لا اعتقد بأن الشرطة بكولون وهامبورغ كانت تريد حصول مثل هذه الأفعال الإجرامية، لكي تثير النقمة والتذمر ضد اللاجئين، خاصة وإن قلة من اللاجئين الجدد من شارك في تلك الأفعال الدنيئة، إذ إن أغلب المشاركين هم من المقيمين منذ عدة سنوات بألمانيا. 4. لقد وقع المحذور والمحظور الذي تخشى منه، ليس على صعيد ألمانيا حسب، بل وعلى صعيد دول الاتحاد الأوروبي كلها تقريباً، وبشكل أخص تلك الدول التي كانت جزءاً من "المنظومة الاشتراكية" سابقاً، مثل بلغاريا، وهنغاريا، وبولونيا، والجيك, واسوفاكيا. ولم يتحرك النازيون الجدد واليمنيون المتطرفون حسب، بل والأحزاب اليمينية كلها أيضاً، إضافة إلى بعض جماعات اليمين في الأحزاب السياسية غير اليمينية، رغم إنها أقل شدة وحدة في هجومها على اللاجئين والمهاجرين. كما تحركت تلك الأوساط التي تسترت ولم تكشف عن عدائها للأجانب قبل ذاك! إن المشاركة الجادة والمسؤولة في الاحتجاج ضد ما حصل، وإدانته، والتعبير عن الاشمئزاز منه، من جهة، والمطالبة الجادة والمسؤولة من كل المقيمين بألمانيا واللاجئين والمهاجرين الجدد، المساعدة في منع قيام جمهرة صغيرة من هؤلاء الأوباش، بتشويه سمعة جميع المقيمين من أصل غير ألماني، أو اللاجئين والمهاجرين الجدد، إلى ألمانيا، والإساءة فعلياً إلى العيش المشترك مع بقية الشعب الألماني من جهة ثانية، والتصدي الحازم والمسؤول ضد الأحزاب والقوى والعناصر المرتبطة بالنازية الجديدة، أو اليمينية المتطرفة، أو اليمين الشعبوي، وفضح دعايتهم، التي تحاول اعتبار كل الأجانب واللاجئين والمهاجرين هم من ذات السلوك الذي مارسته تلك المجموعة الصغيرة والسيئة من أفعال شنيعة، من جهة ثالثة. 5. من يتابع ردود فعل الألمان على ما حصل ليلة عيد رأس السنة الميلادية 2016، يستطيع أن يشخص خمس جماعات، متباينة في مواقفها إزاء القادمين من طالبي اللجوء السياسي أو المهاجرين لأسباب اقتصادية وأبدأ بالأسوأ منها: أ. مجموعة النازيين الجدد واليمينيين المتطرفين الذي يقفون ضد كل الأجانب وفي كل الأوقات، وهم ينطلقون من مواقع العنصرية والشوفينية الألمانية واعتبار "الجنس الآري" الألماني لا يجوز أن يختلط مع "الأجناس الأخرى". إنها النظرية التي اعتمدتها الدولة الألمانية الهتلرية (الرايخ الثالث) والتي روج لها الفريد روزنبيرغ (1892-1946م)، وهو الإيديولوجي الأول للحزب النازي، وأدولف هتلر (1889-1945م) المستشار الألماني منذ العام 1933حتى انتحاره في العام 1945، وأتباعهما. وقد حقق هؤلاء نجاحات جديدة لكسبهم قاعدة شعبية قلقة وواسعة نسبياً. ب. جماعة من الألمان الذين يضمرون كراهية مكبوتة أو مستترة إزاء الأجانب ويخشون من وجودهم بألمانيا، إما كراهية، أو خشية على فرص العمل التي "يهددها!" الأجانب، أو الخشية من حصول الأجانب على دور سكن، مما يرفع أسعار الإيجارات.. الخ.. وهؤلاء أصبحوا اليوم يتحدثون بصوت مسموع ويرفعون شعارات عدائية ضد الأجانب والتحق الكثير منهم بجماعة (أ )، أي باليمين في الأحزاب السياسية القائمة بالبلاد. ج. جماعة من الألمان، الأعضاء في عدد من الأحزاب في المقاطعات الألمانية، أو الحزب الاجتماعي المسيحي في بافاريا، وهم يطالبون بالحد من وجود الأجانب وتقليص عدد اللاجئين الذي يراد قبولهم بألمانيا، ورفض قبول المهاجرين لأسباب اقتصادية ومن دول البلقان مثلاً، وهم يمارسون سياسة ذات طابع شعبوي مبتذل، بأمل الحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية والعامة القادمة، ولكن جزءاً غير قليل منهم يضمر الكراهية للأجانب ويتحدث عن مجتمع ألماني نقي وثقافة ألمانية قائدة لا تريد الاختلاط بثقافات أخرى أدنى مستوى منها، إذ تعبر كل الثقافات الأخرى أدنى منها! د. جماعة من الألمان الذين يتبنون مواقف إنسانية تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان والمجتمع المدني الديمقراطي، أو من منطلقات دينية مسيحية، كما يعبرون عن ذلك صراحة ويلتزمون الدفاع عن اللاجئين والمهاجرين قسراً. ويتجلى ذلك في مواقف الكنيسة البروتستانتية والكاثوليكية عموماً، وهو ما عبرت عنه، أنجيلا ميركل (ولادة 1945م ومنذ عام 2005 مستشارة المانيا)، وهي ابنة قس بروتستانتي ألماني. ونسبة هؤلاء غير قليلة في المجتمع الألماني والمؤيدة من نسبة عالية من أعضاء حزبها الديمقراطي المسيحي. هـ. جماعة كبيرة من القوى والأحزاب اليسارية، والخضر، ومنظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، التي تقف كلها، بحزم ووضوح، إلى جانب احتضان اللاجئين ورعايتهم، بمن فيهم جمهرة المهاجرين من طالبي العمل بألمانيا. ولكن، من الواضح تماماً، إن القوى النازية الجديدة، واليمينية المتطرفة، وكذلك اليمين عموماً، ينسق في ما بينه على صعيد الاتحاد الأوروبي، وينظم لقاءات واحتفالات مشتركة، وأحياناً وفود تشترك في مظاهرات القوى اليمينية في هذه الدول، في حين لا يبدو ذلك واضحاً في مواقف القوى اليسارية أو الخضر على صعيد الاتحاد الأوروبي، وهو ضعف واضح وغير مساعد على مواجهة التيار اليميني المتفاقم في الوقت الحاضر في دول الاتحاد الأوروبي. وإذا كان صوت الجماعتين الأخيرتين قوياً، قبل وقوع الأفعال الدنيئة الأخيرة بألمانيا، يشكل نسبة تفوق النصف بكثير، فإنها انخفضت، في الآونة الأخيرة، إلى اقل من النصف لصالح الجماعات الثلاث الأخرى, وهو أمر مؤسف ومؤذي للاجئين من مناطق الحروب والصراعات أو حتى للعاطلين عن العمل ببلدانهم. والأمل أن تكون هذه الحالة مؤقتة، ويعود المجتمع الألماني إلى وضعه الطبيعي المتصالح والمتعاطف مع اللاجئين والمهاجرين الجدد. 6. لقد أكدت، في مقالي سالف الذكر، إلى عدد مهم من المقترحات بشأن احتضان القادمين الجدد وتوفير مستلزمات اندماجهم في المجتمع. إن هذه المسائل تحتاج إلى موقف سليم واضح من الحكومة الألمانية، باتجاه القناعة الفعلية، بأن من يأتي من البلدان التي فيها عوامل كثيرة طاردة للبشر، سواء أكانت هجرة سياسية، كمصادرة الحريات والحقوق، والصراعات الداخلية، والتمييز القومي والديني والمذهبي، أو الجنسي، أو ضد النساء، أو الحروب، أم لأسباب اقتصادية واجتماعية وبيئية، فأنهم لن يعودوا إلى بلدانهم ثانية، بل سيتحولون تدريجاً إلى مواطنين ومواطنات ألمان أو دول أوروبية أخرى، في حين لا يحصل هذا الأمر للمهاجرين واللاجئين إلى الدول العربية، أو تركيا، أو إيران مثلاً، إذ غالباً ما يعودون إلى أوطانهم بعد تحسن الأوضاع، أو يغادروا تلك الدول إلى أوروبا. وهذه الحقيقة القائمة تتطلب وعياً بمسؤولية الألمان والأوروبيين، في أن يبدأوا مباشرة، وحال وصول اللاجئين والمهاجرين لأسباب أخرى إلى بلدانهم، بتنظيم دورات تثقيفية لمستويات مختلفة، حول الكثير من الموضوعات الأساسية، منها بشكل خاص: الموقف من حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق أتباع الديانات والمذاهب المتباينة، والموقف من حقوق المرأة والطفل، والموقف من الثقافات الأخرى في هذه البلدان، وكذلك الموقف من المثليين في مجال الجنس، وعلى وفق دساتير وقوانين هذه الدول، التي يفترض احترامها حتى لو اختلف المرء بشأنها، إضافة إلى تعلم اللغة الألمانية، لأهميتها للاندماج والعمل والتفاعل فالمجتمع الجديد، في كل الأحوال. إن موقف الكثير من الهاربين من الصراعات القومية والدينية والمذهبية، ومن مصادرة حقوق الإنسان والاستبداد والقسوة في التعامل، وموقف التمييز والمناهض لحقوق المرأة، وفيه الكثير من عدم الاحترام لها ولدورها ومكانتها في المجتمع، مليء بالعقد النفسية والاجتماعية المخلة بالعلاقة بين الذكر والأنثى. ومثل هذه المشكلات العقدية تحتاج إلى جهود مضنية من جانب الدول المستقبلة للاجئين والمهاجرين لعمل الكثير بهدف غسل أدمغة هؤلاء البشر، مما كرس فيها من مواقف دينية واجتماعية معادية لحقوق الأنثى ومساواتها التامة بالذكر. إنها عقدة العقد، إضافة إلى عقدة الموقف من المثليين في الجنس، وخاصة بالنسبة للمثليين الذكور، التي يفترض أن يستوعبها القادم من الدول العربية، أو ذات الأكثرية المسلمة، إذ إن هذا لا يعتبر شذوذاً لدى الإنسان، بل يعتبر مسألة بيولوجية وبيئية، وهي ليست اختيارية. وبالتالي، لا يمكن تغييرها أو السيطرة عليها لدى الأفراد المثليين، رجالاً أو نساءً، عبر القسر والقهر والإرهاب، فهي جزء من طبيعة هؤلاء الناس الذين يولدون بخصائص بيولوجية تفرض عليهم هذا السلوك الجنسي، وبعضهم بميل إلى الجنسين، في آن واحد. ويشير العلماء المختصون، إلى أن هناك نسبة تتراوح بين 2-10% من البشر بالعالم لها مثل هذا الوضع البيولوجي. وهذا الفرق بين 2-10% ناجم عن كون الكثير من دساتير أو قوانين وتقاليد وعادات الكثير من بلدان العالم، ما تزال تفرض عقوبات تصل إلى حد الإعدام على الذكر الذي يجاهر بمثليته، وعلى الأنثى التي تجاهر بمثليتها. وهو أمر ترفضه لوائح حقوق الإنسان حتى الشرائع السماوية تشير إلى وجود هذه الظاهرة ولا تفرض عقوبة على من يمارس المثلية، بل إن شيوخ الدين والتقاليد والعادات هي التي تفرض مثل هذا الموقف غير الإنساني ضد المثليين والمثليات. هذا ما يفترض أن يفهمه ويعيه المهاجر أو اللاجئ المسلم ويتعامل معه على وفق دساتير وقوانين أوروبا، ومنها ألمانيا، حتى لو رفض المثلية شخصياً. المجتمع الألماني لا يفرض على اللاجئ أو المهاجر المسلم أو غير المسلم، أو المؤمن بأي دين آخر، أن يمارس ما يمارسونه الألمان، أو الألمانيات، في مجال العبادة، أو العادات والتقاليد أو الممارسات الاجتماعية الأخرى، أو الجنسية، أو في الأعياد والكرنفالات، ولكن يطلب منهم احترام دستور وقوانين وعادات وتقاليد وأعياد والممارسات الاجتماعية الألمانية. وعلى الجميع أن يتعلم ذلك ابتداءً وخلال وجوده بألمانيا لكي تنشا علاقات إنسانية واجتماعية اندماجية سليمة وواضحة ومتطورة. ولكن يفرض عليهم عدم الزواج بامرأتين، أو ضرب الأطفال، أو الاعتداء أو التحرش الجنسي، أو تزويج البنات اللواتي لم يبلغن سن الرشد، أو الإساءة للمثليين والمثليات ...على سبيل المثال لا الحصر. 7. لقد حاولت توضح الكثير من المسائل في إجاباتي الأولى، والآن أيضاً بالنسبة للكثير من الملاحظات والأسئلة. وإذا ما توفر الوقت المناسب، سأحاول ترتيب المادة كلها في كراس صغير يمكن أن يتم تداوله بين العرب وغير العرب من المسلمين بشكل خاص. وأخيراً كتب صديق عزيز ملاحظات مهمة وتفصيلية باللغة الألمانية، استفدت منها في إعادة كتابة المقال، كما استفدت من بقية الملاحظات التي وصلتني، بما لا يثقل على المقال ويجعل منه بحثاً كبيراً.، ولكن لا بد من الإشارة إلى الأعداد الكبيرة من الألمان، بمن فيهم مجموعة كبيرة من الأجانب والمتجنسين بالجنسية الألمانية ووالمترجمين، من النساء والرجال، الذين تطوعوا لمساعدة اللاجئين والمهاجرين الوافدين، والتخفيف عنهم، وعن أوضاعهم من جهة، ومساعدة الجهات المسؤولة عن استقبال اللاجئين والمهاجرين ودراسة قضاياهم وتوفير ما يلزم لإيوائهم، من جهة أخرى، التي ثقل حملها حقاً، بسبب هذا العدد الكبير من الوافدين، الذين لم يتوقعوا ولم يعتقدوا يوماً، بأنهم سيواجهون مثل هذه الحالة. أقدم شكري الجزيل لكال الملاحظات والأسئلة التي طرحت في الرسائل التي وصلتني والتي دفعتني للتفكير ومحاولة الإجابة عن الأسئلة وأملي أن تكون مفيدة.
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
اخبار العراق اليوم تصلكم بكل وضوح بواسطة العراق تايمز