اعتاد اهالي تلعفر في كل عام بالاسبوع الأخير من شهر شباط إقامة كرنفال ضخم بعيد الخضر تيمناً بالنبي الخضر عليه السلام الذي يمثل رمز المحبة والسلام في منطقة زراعية خضراء على تلة صغيرة تقع جنوب تلعفر تسمى بمقام الخضر يزحف اليها اهالي تلعفر من كل حدب وصوب لاعتقادهم بأن " نبي الله الخضر (ع ) مر بهذه المنطقة وقضى فيها أياماً أثناء توجهه الى نينوى "على هيئة أسر ومجاميع شبابية يقضون اوقاتهم بكل الفة ومهجة بلا تمييز بين هذا أو ذاك على أساس الطائفة او المذهب .
من مزايا هذا العيد المبارك والعزيز على نفوس تركمان تلعفر تزامنها مع عيد الخضر عند الايزييدين في قضاء سنجار والمناطق الاخرى التي يقطن فيها هذا المكون من محافظة نينوى إذ يتم تبادل التهاني والزيارات بين الناس الذين تربطهم اواصر الصداقة والمحبة .
ولكن المحزن بالأمر هذا العام نزوح اهالي قضائي تلعفر وسنجار الى مناطق العراق المختلفة جراء سيطرة تنظيم داعش على مناطق سكناهم الذين عاثوا بالأرض فساداً ودماراً وفجروا المزارات والاضرحة الدينية التي تمثل قيمهم وتقاليدهم وطقوسهم المتوارثين على احيائها منذ الاف السنين وقد خيم الحزن على وجوه هذه الأسر والشباب وهم يستذكرون هذه المناسبة العزيزة على قلوبهم ... ولكن أبى الله الا ان يتم نوره فقد قرر هؤلاء النازحين احياء الذكرى العظيمة وممارسه شعائرها في المخيمات والحسينيات والجوامع التي يقطونها متحدين الارهاب الداعشي ومن تبعهم ووالهم الى يوم الدين .
إذ احيا الشباب والاطفال والنساء والشيوخ كلاً حسب طاقته وامكانياته المتواضعة البسيطة هذه الشعائر والطقوس المتمثلة بقص خصلة من الشعر ليلة الخميس التي تسبق اول أيام العيد لتجنب آلم الرأس مستقبلاً وإقامة الولائم والعزائم وتبادل الورود والهدايا واجراء سباق الخيول وصنع الحلويات المنزلية المعروفة عندهم " بالكليجة " المحشوة بلب الجوز والسمسم كما يقوم ابناء تلعفر بصنع الحلاوة بالطحين إذ تخلط الدبس مع الدهن ساخنة ثم تمزج مع الطحين وتوضع في قدر كبير وتغطى ومن ثم تلف بغطاء سميك تسمى في تقاليد أهالي تلعفر ( تفال ) ولا تفتح الا في صباح يوم الخميس لاعتقادهم بأن الخضر عليه السلام مر باليل ولمسه واصبح جاهزا للطعام .
ومن معتقداتهم السائدة ايضاً في هذه المناسبة قدوم فصل الربيع ويستدلون في ذلك على الجمرات الثلاث التي تسقط الاولى على الماء والثانية على الارض والثالثة على الهواء على ثلاث أيام جمع متتالية ، علما أن فصل الاعتدال الربيعي وفق التغييرات المناخية الطبيعية يصادف يوم 22أذار هو نفس التاريخ الذي يطابق مع معتقدهم .
احياء هذه المناسبة الجليلة وفي هذا الظرف العصيب رسالة من العشائر التركمانية التعلفرية الى داعش بأن عجلة الحياة لن تتوقف مهما بلغ اجرامهم من قساوة ووحشية فهم أحفاد ثورة العشرين الذين قارعوا الاحتلال البريطاني بكل بسالة واقدام لم يشهد له العصر الحديث مثيلاً وهم الذين قدموا منذ نزوحهم لحد هذا اليوم قرابة خمسين شهيداً في جبهات القتال المختلفة في تكريت وديالى وقاطع بلد والضلوعية وبلد وعزيز بلد وبيجي والثرثار وجرف النصر وغيرها من القطعات التي تشهد عمليات عسكرية ضد التنظيم .
تحية اجلال واحترام لهذه العشائر التعلفرية العريقة التي تتحدى الصعاب والظروف المعيشية القاسية لتثبت للعالم اجمع بأن عجلة الحياة لم ولن تتوقف مهما حاول الغزاة طمس الهوية التركمانية وأنهم على أتم الاستعداد لتحرير مدينتهم فلم تبق الا أياماً معدودات لا تتجاوز أصابع اليد
مقالات اخرى للكاتب