من أشهر الحمقى في الأدب العربي جحا واسمه نصر الدين خواجا. يحكى أن هبّت ريح شديدة، فأقبل الناس يدعون الله بالخوف وبالتوبة، فصاح جحا: يا قوم لا تعجّلوا بالتوبة، إنما هي ريح وتسكن! وطلب منه أبوه أن يشتري له رأساً مشوياً، فاشتراه وجلس على قارعة الطريق، فأكل عينيه، وأذنيه، ولسانه، ودماغه، وحمل باقيه إلى أبيه. فقال: ويحك، ما هذا؟ قال جحا: هو الرأس الذي طلبته! قال: فأين عيناه؟ قال: كان أعمى! قال: فأين أذناه؟ قال: كان أصمّ! قال: فأين لسانه؟ قال: كان أخرس! قال: فأين دماغه؟ قال: كان أقرع!
والأحمق طبقاً لتعريف ابن الإعرابي هو من لا نستطيع أن نميّز كلامه من رعونته. أما الحماقة فإنها مشتقة من "حمقت السوق" إذا كسدت، بمعنى أن الأحمق لا عقل له ولا رأي. عن أبي يوسف القاضي قال: ثلاث، صدّق باثنتين ولا تصدّق بواحدة. إن قيل لك إن رجلاً كان معك فتوارى خلف حائط فمات فصدّق، وإن قيل لك إن رجلاً فقيراً خرج إلى بلد فاستفاد مالاً فصدّق، وإن قيل لك إن أحمق خرج إلى بلد فاستفاد عقلاً فلا تصدّق.
وفي كتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لعبدالرحمن بن الجوزي، تقرأ الطرائف والفكاهة والنوادر، وحكايات كلها فلسفة ومواعظ وعظات، وتعرف أن للأحمق سبعين اسماً، ومن أسمائه: الرقيع، والأهوج، والأرعن، والمأفون، والخرف، والهبنق، والأهبل. ومن أسماء المرأة الحمقاء: الخرقاء، والهوجاء، والداعكة، والرطيئة!
والعرب تضرب الأمثال بأكثر الناس حماقة، فتقول: أحمق من هبنقة. ومن حماقته أنه جعل في عنقه قلادة من عظام وخزف، وقال: أخشى أن أضلّ نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به، فحوّلت القلادة ذات ليلة من عنقه إلى عنق أخيه، فلمّا أصبح خاطب هبنقة أخاه قائلاً: يا أخي، أنت أنا.. فمن أنا؟!
ويكاد يتفق المحدّثون ورواة الأخبار، أن الحماقة غريزة وطبع، لا شفاء لها، ولا طبيب، ولا دواء. فقد أعيت من يداويها كما قال الشاعر. عن الأوزاعي قال: بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: يا روح الله انك تحيي الموتى؟ قال: نعم بإذن الله. قيل وتبرئ الأكمه (الأعمى)؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني!
وجاءنا التحذير تلو التحذير من صحبة الأحمق، وورد في الأثر: لا تؤاخي الأحمق فإنه يشير عليك ويجهد نفسه فيخطئ، وربما يريد أن ينفعك فيضرك، وسكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته!
وتظهر شخصية الأحمق في أدب الشعوب، فهناك مثلاً شخصية دون كيشوت في الأدب الاسباني، كما تظهر شخصية المضحك في مجالس الملوك، والشاعر النديم في صحبة الخليفة. ومن الشعراء الندامى أبو دلامة، وأبو نواس، ومن حسنات الحمقى أن الحياة تصبح من دون مملّة!
مقالات اخرى للكاتب