المشكلة الرئيسية التي واجهت العراق بعد التغيير دون باقي الدول العربية التي طالها التغيير هي فقدان الكارزما للمنظومة الثقافية العراقية بين ابناء المجتمع العراقي ، وسبب هذا الفقدان – كما هو معروف للجميع – هو النظام البعثي السابق ومعاييره في التقييم ، والضربة الاكبر لكارزما المنظومة الثقافية العراقية هي الحصار وتداعياته والتي جعلت المواطن العادي ينظر باستخفاف للمثقف والاكاديمي ازاء ذوي المهن الحرة وهويرى المثقف في عوز قاتل بينما ذوي المهن الحرة – كالفيترجي مثلا مع الاحترام لجميع المهن – مكتفين اقتصاديا حتى انتشرت كلمة بائعة السمك لاستاذ دكتور في الجامعة " امشي هذا مو اكلك " وهو يساومها على سمكة....
قيمة العالم والمفكر والمثقف مؤشر على عافية المجتمع والدولة وانحدارها ، فالعلاقة طردية بين العافية وقيمة هذه المنظومة الثقافية والعكس بالعكس ، ولذا رأينا انسياق المجتمع العراقي نحو قيادات التخلف والانحدار بعد سقوط الطاغية ، بل وصل الامر الى عملية ثأر اجتماعي نحو كل ما يمثل رمزا او بعدا حضاريا وثقافيا كما حصل مع الاثار والمكتبات العريقة ، وبعد فترة سنوات والنتائج التي افرزتها قيادات التخلف والانحدار بدأت بوادر الانعتاق من غيبوبة التخلف والانحدار التي فرضتها القيادات السياسية الحاكمة في العراق ، ومن اهم هذه البوادر الازدراء لرجل الدين الذي دخل معمعة السياسة والسلطة في الدولة العراقية وساهم بشكل فعال في تغييب الوعي وتخدير العقل معطيا بذلك زمنا اطول وفرصة اكبر لساسة الفساد في نهب ثروات البلاد والعباد ، وانحسار ترشيح المعمم في الانتخابات دليل على مانذهب اليه..
في الدول الاخرى التي طالها التغيير لم تمهل قيادات التخلف والانحدار زمنا طويلا في قلب الطاولة عليها ، وها نحن نشهد مصر وتونس وحراكهما الاجتماعي الممانع لاستمرار قيادات التخلف والانحدار في قيادة الدولة ، وهذه السرعة في الحراك الممانع سببه الرئيس في تقديري هي كارزما المنظومة الثقافية في تلك البلدان....
تحدث السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي بخطاب احتفالات بغداد عاصمة الثقافة العراقية بكلمات اشبه بالشعارات منها الى قناعة يصدرها الينا السيد المالكي ، فمن الجميل ان يدعو الى جعل وزارة الثقافة وزارة سيادية في العالم العربي ، وكذلك من الجميل ان يدعو الى انتاج خطاب ثقافي معتدل ومتسامح نهزم به التطرف واشكال التخلف ، ولكن وكما قيل العلم يهتف بالعمل فان اجابه والا ارتحل ، وهنا من حقنا ان نسلط خطاب السيد المالكي على سلوكه وممارساته كرئيس سلطة تنفيذية بما يخص الجانب الثقافي ، وهنا نجد ان السيد المالكي في ممارساته يؤصل ثقافة التخلف والانحدار من خلال اعراضه كشحا عن الوسط الثقافي والاكاديمي وتوجهه الدائم للعشائر ورجال الدين ، ربما يعذر وفق حسابات الديمقراطية الغربية ان كان رجلا سياسيا دون موقع مسؤولية في الدولة العراقية ولكن على مستوى الحسابات القيمية الوطنية العراقية ومستوى سلمه اخطر موقع في الدولة العراقي لايعذر فقط بل وتشجب ممارساته هذه ، فلم نشهد السيد المالكي وهو يتغنى باهمية الثقافة وخطورتها وقيمتها العالية يجتمع بالاكاديمين او المثقفين او المفكرين وغيرهم من ابناء المنظومة الثقافية العراقية ، وهنا لا نتحدث عن وقائع فردية بل نتحدث عن منهج ، بينما اجتماعه برجال العشائر منهجا يتبناه ، وبالتأكيد فان قيادات الدولة اذا لم تنظر وتعتمد منهجا يوضح للقاصي والداني من ابناء الوطن بالقيمة العالية لابناء المنظومة الثقافية فان الخطاب الثقافي المنتج من هذه المنظومة سوف لن يكون مؤثرا في المجتمع بالقدر المطلوب....
ونموذج اخر اشد وضوحا يوضح المفارقة والبون الشاسع بين خطاب السيد المالكي وبين اداءه هو مؤتمر المرأة العربية الذي انعقد في الجزائر والذي مثل العراق في هذا المؤتمر مستشارة السيد المالكي مريم الريس ....
لا اعرف الحق القانوني والاجتماعي وفق ادبيات الديمقراطية والعدالة تتيح للسيدة المستشارة تمثيل المرأة العراقية دون النساء الاخريات...
مريم الريس لم يعرف عنها انجازا يصلح به ان تقدم كنموذج للمرأة العراقية ، بل هي وقريناتها اللواتي اصبحنا نعرفهن من خلال شاشات التلفاز كساسيات او نائبات او ناشطات لم يأتن من افراز طبيعي مرتكز على انجاز بل كان مجيئهن بمعية قادة الضرورة المتسلطين على المشهد العراقي بفعل استثمار التخلف والجهل المستشري بالعراق -الموروث من حقبة البعث - والمنظومة الاعلامية المسيطر عليها من قادة الضرورة......
هذا ما نعرفه عن السيدة مريم الريس ، وارجو ان لا يتبجح احد بمشاركتها في الجمعية الوطنية وانتاج الدستور فهذا اقرب الى المثلبة منه الى المنقبة ولا نريد الافاضة به خشية الاطالة....
ريام ناجي عجمي شابة عراقية حاملة شهادة الدكتوراه واستاذة في الجامعة المستنصرية وتفوز مرتين على التوالي بجائزة رويال لتكرم من اليونسكو ، وفعلا هنا نستطيع ان نرفع الرؤوس وننفخ صدورنا ابتهاجا وافتخارا بهذه المرأة ونعدها نموذجا عاليا للمرأة العراقية التي نستطيع تقديمه الى العالم ، ريام وقريناتها من الكثرة الكاثرة مبثوثة في ثتايا دولتنا ومجتمعنا الا انهن يأبن ان يتمسحن بالاكتاف او يطبلن لقادة الضرورة لكي يتصدرن المشهد العراقي ، وكيف يتمسحن وهن الاعلى قدرا في المعيار الوطني....
ونعود الى العنوان لنسأل بأي حق ان تترأس مريم الريس وفدا نسائيا يمثل المرأة العراقية في مؤتمر المرأة العربية في الجزائر ، بل من اعطى الحق لتحديد اسماء الوفد النسائي ، وهنا من حقنا ان نلقي سؤال كبير وطويل على كل عراقي....
بربكم ايهما اجدى وادعى ان تمثل المرأة العراقية مريم الريس ام العالمة الشابة الدكتورة ريام ناجي عجمي ؟؟؟
ولا يمكن لاحد الا ان يتفق على ان العالمة عجمي هي التي يمكن ان نفخر بها نموذجا للمرأة العراقية ، ولا يخالف هذا الا ابناء جمهور السلطة وثقافة القطيع وارضاء قادة الضرورة ... ، هذا مع الاحترام الوافر للسيدة مريم الريس كامرأة عراقية ولسنا هنا في خصومة معها بل خصومتنا مع المنهج المتبنى في اداء قادة دولتنا حاليا ...
هذا المنهج هو المتبنى من قبل السيد المالكي وهو المتحرك في المشهد العراقي بفعل تبنيه من قبل جميع قادة الضرورة ومن ضمنهم السيد المالكي ، ويذكرنا هذا المنهج بمنهج الطاغية المقبور حينما فرض منال يونس كممثلة للمرأة العراقية بفعل ولائها وتطبيلها له كقائد ضرورة والامثال تضرب ولا تقاس.....
ولذا نجد خطاب السيد المالكي في بغداد عاصمة الثقافة العربية خطاب اقرب الى الشعارات ولن يترك اثرا حقيقيا على الواقع العراقي ، ولا ندري الى متى تستمر مرحلة الشعارات لكن المؤشرات تعطينا املا بقرب انحسار وانقضاء مرحلة الشعارات هذه ، خصوصا بعدما بدأ انحسار العمامة في الشأن السياسي وادارة الدولة ، وكذلك تملق الامانة العامة لمجلس الوزراء وهي توعز بالقيام بواجب ارجاع نعش المؤرخ المرحوم حسين امين بعدما فجعنا به.
ختاما : تحية للسادة الذين اشرفوا على فعاليات مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية ولاسيما السيد نوفل ابو رغيف وهم يحاولون جاهدين وضع لبنة للرجوع عن الانحدار في الفن واغاني الدفان غمزلي الى الفن العراقي الاصيل وفنانيه الملتزمين ، مع علمنا بمعاناة المثقفين بوزارة الثقافة وهم ينازعون امر ادارة المهرجان من وزارة الدفاع ومنتسبيها ، وربما لنا حديث حول ما جرى بين السيد نوفل ابو رغيف والسيد محمد العسكري حول هذا الشأن.
مقالات اخرى للكاتب