ببساطة متناهية يمكننا القول ان كلمة الفساد العنوان الأول دون منافس للمراحل السياسية المتعاقبة ، بما كرسه من مصائب ومآسي للشعب على الأصعدة كافة ، تجاوز بحجمه وخطورته بعد اتساع دائرته وتداخل شبكاته في مفاصل الدولة حتى وصلت إفرازاته للتهديد المباشر والعلني لاستقلال العراق ووحدته بعد مكيدة احتلال الإرهاب لأراضي شاسعة من جسد الوطن تحت عباءة الفساد في ظلمة الدهاليز المشبوه بتخطيط إقليمي دولي عاونه فُساد الداخل ، لذا أصبحت كلمة الفساد ملاصقة لألسنة الجميع بل غدت أنشودة القهر والظلم بأصوات أطفالنا . و دون تعقيد التحليل والتأويل والاجتهاد، أسباب تفشي آفة الفساد السرطانية المستفحلة ، تكمن بالخلل في عقل من تصدى لحمل مسؤولية صنع القرار في مواقع المسؤولية بعناوينها المختلفة مع استهانته المبيتة بعقل المواطن والاستخفاف به ، رأى نفسه فوق القانون بما امتلك من حصانة منصب برلماني أو حكومي او دعم ومساندة كتلته السياسية بالتغطية على ملفات فساده لكونه رافد لمال السحت لها ، ولا يفوتنا إن ذلك المسؤول أختبر الوهن والهشاشة في الجهاز التشريعي والتنفيذي والقضائي وما رافقهم من الفشل الذريع في الآليات المعالجة لذلك الملف الخطير بغياب المحاسبة والشفافية الحقيقية وتطبيق الأسس القانونية التنظيمية لمحاربته ، بل على العكس من ذلك كان هناك الإمعان والتفنن في خلق الفوضى الإدارية وإلغاء متعمد لمنظومة الضوابط القيمية والأخلاقية والقانونية ليتسنى استغلال المناصب الحكومية (التي يُشاع أنها تباع "كسرقفليات" بين الكتل السياسية وانتهاك الواجب الأخلاقي والشرعي والوطني بتفشي الرشوة والمحسوبية والاختلاسات بأرقام فلكية عن طريق الاحتيال والنصب والتزييف والتزوير وعمولات وسمسرة والنهب والتبذير للمال العام وموارد الدولة للمصالح النفعية الشخصية ( وعلى عينك يا تاجر ) ، ومن خلال عملي كصحفي ولقائي بشرائح المجتمع المختلفة ، لم تكن تساؤلات المواطن إلا في دائرة واحدة إلا وهي الفقر والفساد والإشارة للغنى الصاروخي الفاحش لبعض الناس وامتلاكهم معظم أراضي العراق وممتلكاته ملكا صرفا غير قابل للاسترجاع ، وتساؤلات أخرى عن المحسوبية والولاء السياسي والقربى في التعيينات حيث لكل وظيفة ثمن من خلال ابتداع طرق الابتزاز وانعدم المساواة والعدالة بتكافؤ الفرص ، انجاز المعاملات والمستمسكات الرسمية بخرق القانون بالرشاوى تحت وضح النهار ، بيع الثروة الوطنية المتمثلة بعقارات الدولة والاستيلاء عليها وتهريب الأموال والعملة الصعبة والحبل على الجرار .لكن صوت الشعب برفع الغطاء عن السياسيين الفاسدين من خلال المظاهرات والاعتصامات في السنوات الماضية ، تم تسويفه والالتفاف عليه وتمييع المطالبات المشروعة للمواطن العراقي و(رجع المسؤولين لعادتهم القديمة ) او( كانك يا مواطن... يابو زيد ما غزيت )، ويبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر الصمت والقبول بما مقسوم له .لكن اليوم محاولة أخرى لتفعيل المطالبات بفضح الفاسدين وتضييق الخناق عليهم من خلال استمرار المظاهرات الحاشدة وتعالي الأصوات بشكل لا يمكن لأسلوب التسويف او تفشي الإشاعات واتهام الآخرين والطعن بنواياهم ، أن تنطلي مرة أخرى (لا يلدغ المؤمن من جحرا مرتين ) ، لذا لابد من زيادة الزخم الجماهيري والمشاركة الشاملة لكافة مكونات الشعب وطوائفه وتوحيد المطالب ووضوحها ودقة شعاراتها وعدم تسيسها وانحرافها عن هدفها الأساسي الإصلاح وفضح الفاسدين مهما علت مناصبهم او مكانتهم السياسية .
مقالات اخرى للكاتب