لا شك في ان الدولة مقصرة على جميع السلطات: التشريعية والتنفيذية وعلى جميع المستويات: المركز والمحافظات. والحكومة لا تنكر ذلك ولا تبرره بل تعدد أسبابه وتعد بالمعالجات.
ولكن ما لا يجرؤ أحد، في بلد يحبو نحو الديمقراطية، على قوله هو تقصير أفراد الشعب في الجزء المختص بهم. فكل شعوب العالم، إلا الشعب العراقي، تدرك منذ زمن بعيد إدراكاً واعياً أن عليها دورا في عملية البناء بجميع تفاصيلها. إنها تعلم جيدا أنه ما من خدمة تتلقاها من حكوماتها إلا ولها سهم في إنجازها. فالخدمات البلدية لا تتم بجهد البلديات وحدها ولا تكون المدن نظيفة ما لم يشعر الناس بأهمية النظافة وأهمية مشاركتهم في خلقها. والماء لا يكون كافياً لعموم أفراد الشعب إلا إذا أدرك الناس ضرورة الترشيد في استهلاكه، وكذلك الكهرباء، ومدن الألعاب والحدائق وإسفلت الشوارع ومقرنص الأرصفة والأزقة والتشجير. لأفراد الشعب دور في كل هذه الخدمات وهو دور أساسي مبني على وعي حقيقة أنه ليس هناك حكومة مقدِمة وشعب متلق. بل هناك عمل متكامل يقوم به الطرفان.
حتى مشجعو الأندية الرياضية، لا يحضرون إلى الملاعب لمجرد التسلية والاستمتاع بعروض فرقهم بل لأنهم يشعرون أنهم اللاعب الثاني عشر في فريق كرة القدم وأن عليهم دورا أساسيا ينبغي أن يؤدوه على أكمل وجه. فتراهم لا يكفون عن التشجيع مهما بلغ بهم الإحباط من أداء الفريق. ولعل أقسى عقوبة يتلقاها الفريق حرمانه من اللعب أمام جمهوره وقد تكون أقسى من طرد أحد اللاعبين.
إلا العراقيين، فهم لسبب من الأسباب، وخاصة بعد سقوط صدام يشعرون أنهم الطرف المتلقي في العملية. وتتجلى هذه الحالة في الأوساخ المنتشرة في الشوارع والأنقاض التي تملأ الساحات وبلاط الأرصفة التي لا تكاد ترصف حتى يقتلع بعضها الناس بلا إذن من جهة مسئولة، والتجاوزات على الأرصفة والشوارع والحدائق. إن هناك قناعة منحرفة تتكرس في نفوسهم يوما بعد يوم بأن الدولة هي المسئولة عن كل شيء وهم لا دور لهم إلا استقبال الخدمات بكل ما أوتوا من جحود وإهمال ولامبالاة. لهذا السبب لا نجد لعمليات الإعمار الهائلة التي تجري في البلاد أثراً يتناسب مع ضخامة الأعمال التأهيلية.
إنهم ينبهرون للتطور الحاصل في البلدان المجاورة ويمتدحون نظافتها والنظام السائد فيها ولكنهم لا يكلفون أنفسهم جهد القيام بواجبهم، هذا إذا اعترفوا بأن ثمة واجبا ملقى على عواتقهم. فإلى حين تحقق هذا الوعي لا نملك إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. والله المستعان.
مقالات اخرى للكاتب