بداية؛ لا يمكن إختصار الإجابة بنعم أو لا، السياسة كائن حي! يتنفس الأزمة ليعيش، قد لا ترى (سايكولوجيا السياسة الإصلاحية)، حاضرة على موائد الجماهير، لا يبدع المثقفون إلا بالمهجر، ولا نستشعر السياسة إلا في محيط الأزمات، لعلها معالم (الثنائيات) التي تشوب المفاهيم، والتي لابد من الإتجار سياسيا لطمسها، عندما نريد إن نتخلص من(النزعة الطائفية) مثلاً، لابد من العمل على توافق سياسي، عابر لهذا الثنائية، ولكي يتم إستئصال ثنائية (التطرف)، لابد من البحث، وراء ثقافة السياسي المدرك.
أبرز ما يميز الأزمة بالعراق، كونها إبتدأت أزمة سياسية، لكنها تفاقمت بنشر غسيلها على حبال المجتمع، عبر أجندات مهيأة الى هكذا مهمة، لم يكن شرط قبول المهمة حاضراً عند بعضهم، (تخبط سياسي, جهل مطبق في رؤى سير السياسية, الإنجرار وراء الضغوط والمصلحة, الرغبة في إبراز عضلات المعترك التنافسي)، حولت الأزمة بعدة إتجاهات،( ثقافي, ديني, وطني)، نسفت معالم المجتمع، وما كان للسياسي المثقف، أن يوقف نزيف السياسي الجاهل، في جسد المجتمع المغرر به.
ما بعد عام 2003 بقليل، تيار ديني محلي فتي، يتهيآ لدخول المعترك السياسي، عبر إستجداء عواطف الشعب، الذي أنهكته سنوات العزلة، من على (قناة الجزيرة)، وفي لقاء تلفزيوني، تكلم زعيم التيار(مقتدى الصدر)! على إنه رجل سياسة وسلام، تربطه مع قوات التحالف لغة التفاهمات، والتي بنيت على أساس تبادل المصلحة، أقلها أزاحت كابوس صدام عن الشعب، وتعدى الصدر بإيضاح شخصيته، بأنه سيكتفي بمقاطعة السفارة الإسرائيلية، فيما لو فتحت في بغداد، حالها كحال البضائع المستوردة.
متى تحولت رؤى الصدر تلك الى ( ثنائيات)؟ وحرص على وأدها، كالطائفية والحزبية؟ متى صار رجل السلام! يفتي بجواز قتل أفراد الجيش والشرطة؟ متى صار يفتي بإراقة دماء ألاف من الشباب والأطفال؟ المغرر بهم تحت مسمى المقاومة،متى صار يقيم المحاكم الشرعية؟ لمن يعمل مع الحكومة انذآك، هل نهاية دراسته في الصف الخامس الإبتدائي! أعطت له هذا الحق؟ في التصرف، أم هي حماية نفسه؟ من شبح مذكرة القاء القبض، بتهمة قتل السيد عبد المجيد الخوئي!.
لسنا بصدد تفكيك رؤى الصدر، حيث السياسة منه، بقدر ما نركز على نظرته حيث (سيكولوجيا السياسة)، ولابد من الاشارة أولاً الى لبان الصدر السياسي، العوامل التي دفعت بشخصية (سعد الحريري) ليكون وريث أباه، رئيس الوزراء الأسبق والسياسي المحنك (رفيق الحريري)، هي نفسها تلك العوامل، التي دفعت بالسيد (مقتدى) أن يكون وريث أباه، السيد محمد الصدر( رحمه الله) حيث المجتمع الذي وجد عواطفه بيده، وعقلة بين عينيه، والذي راح يدفع ضريبة العاطفة والسذاجة، في إستيراد الإنحراف المجتمعي.
النتيجة هنا تتلخص في سؤالين لابد أن يقف عليهما الجميع، وخصوصا المجتمع المنحرف عاطفيا، ماذا قدم السيد الصدر للمجتمع؟ وماذا قدم للعملية السياسية؟ وقبل أن نذهب أنا وأنت للجواب، وقد نختلف حسب الرأي والفكر، لنبحث اولاً عمن يجيب بحيادية عن السؤالين.
هل ستجيب مقابر ألاف الشباب؟ الذين جرفتهم متاريس التغرير! هل ستجيب أمهات أثكلن بأبنائهن، هل ستجيبنا دموع مئات الأيتام، هل ستجيب عوائل السجناء أم السجناء أنفسهم، المغيبين عن غنائم التيار الصدري ومناصبهم؟هل ستجيبنا السنة السيئة التي راح ضحيتها، مئات من الشرطة والجيش والعاملين بالحكومة؟ ممن إزهقوا بظلامة المحاكم الشرعية، وتهمة اذناب المحتل؟ أم نترك الإجابة لملفات فساد ممثلي التيار الصدري؟ شيء من الجواب حاضراً، في ملف حسم معركة الإرهاب الفلوجي، وكيف تعامل معها خلال إعتصاماته الاخيرة؟
بحثنا عن من يجيب على التساؤلين، يعطي فكرة واضحة عن الإجابة، وأخيراً يقال، لا يمكن جني الإستقرار، بالإعتماد على الجانب السياسي فقط، كثيراً ما نحتاج الى الإستقرار الأمني ، ومحاربة الفساد ألإداري، وتشجيع لغة الحوار والتسامح المجتمعي، وفك الإرتباط بين (ديمومة الفكر والعقل)، و (ماكنة العبودية والولاء السلبي)، إدارة السياسة بالمجتمع، لا يعني الإعتصام أو التظاهر فوق القانون، بقدر ما يتركز على إختيار السياسي المثقف وطنياً، ممثلاً عن الشعب، ولعل الصدر بتياره، ثنائية تربك حلول الأزمة مجتمعياً.
مقالات اخرى للكاتب