كم من الابواق المنفرة نحن بحاجة لنفرغ هواء معدتنا في جوفها آناء الليل وأطراف النهار ، وكم من الطبول سنحتاج الى القرع عليها بكل حماس وكأننا نصحّي النائمين للسحور ، وكم من الاوراق البيضاء سيلزمنا تسويدها بالباطل والاراجيف في العشي والابكار ، وكم من شاشات التضليل يعوزنا لشحنها باراء المحللين الاستراتيجيين ليل نهار ، وكم ، وكم ، وكم ... من اجل ان نخرج الى الشارع مجموعة من النفعيين او المعتوهين لتاييد رئيس او امير او وزير او ... خمسون سنة امضيتها من عمري وانا اقصف بهذا الزعيق والطبول والاراجيف وتحليلات الخبراء المختبرية وما زادني ذلك من الرئيس وبطانته المأبونة الا نفورا . بريطانيا هذا البلد العريق الذي لا امت اليه باي صلة سوى الانسانية اوشكت ان تتجمد وسط عروقها الدماء في حمارة القيظ وهي تترقب لحظات ولادة ملك ربما سياتيها بعد سبعين عاما . وعندما اقول بريطانيا فانما اعني بلدا من اقصى شماله الى ابعد نقطة في جنوبه مارس الجنون الجميل بانتظار الحدث الاكبر . ومترقبو هذا الحدث الجلل كانوا في خارج بريطانيا اضعاف من هم معنيون داخل البلد وخاصة دول الكومونولث . ومن الطبيعي ان تتخلل لحظات الانتظار القاتلة باقات سخية من الدموع والضحكات و الاهازيج النابعة من القلب وكاميرات متلهفة انتصبت امام المستشفى قبل الولادة وبعدها بساعات مديدة ان لم نقل اياما بانتظار ان يمد الكتكوت الملكي السو كيوت راسه الى الدنيا تاركا الظلمات الثلاثة . ما الذي يجعلنا نعبىء كل ما اتيح من وسائل الاعلام المثيرة للغثيان لنخرج تظاهرة تاييد مفتعلة ومدفوعة الثمن لمسؤول ، فيما تتدافع الحشود في بريطانيا لالتقاط نظرة من الملك الذي سياتي او لن ياتي اصلا . منذ ان تعرفت على شكل النظام الدستوري في بريطانيا وانا اتابع كل حركة وسكنة تبديها العائلة المالكة بما في ذلك تحركات الحسناء المتمردة ديانا سبنسر غفر الله ذنبها . هذه الاسرة العريقة التي تملك كل شيء في بريطانيا تكاد لا تملك صلاحية التدخل في قرار يتخذه البرلمان او رئيس الوزراء ولم يذكر عن فرد من افراد العائلة تصرف فردي اهوج يشم منه اعتداء على حرمة مواطن او استغلال لمنصب او حتى عرقلة حركة المرور ، مع تواضع جم في التصرف لا يقف عند حد مالم يمس بهيبة الاسرة ومكانتها . ونتج عن ذلك ان الشعب برمته خرج يهنىء نفسه بولادة ملك قد يحكم بشرا ليس بين صفوفهم آنذاك احد من المحتفلين اليوم ، فالوليد "جورج ألكسندر لويس" يمثل الجيل الثالث بالتسلسل الوراثي للعرش ، ما يعني بالمثل العراقي : موت يابو صابر الى ان يجيك الربيع . واذا قدر له ان يصبح ملكا فهو سيلي اباه ويليام الذي سيلي اباه الامير تشارلز الذي لا احد يدري متى سيعتلي العرش ، فالملكة يبدو عليها انها استعصت على خطاف ملك الموت امد الله في عمرها لما فيه خير الذوق والعدل . وصدق من قال : الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم ... طبعا ارجو الا يفهم من هذا على انه اتهام لاحد بالكفر . فالامثال تضرب ولا تقاس . طاب يومكم وصومكم ونومكم..