لا شك ان تحويل فشل اداء الحكومة الحالية الى ازمة في الكرادة هو محاولة للهرب من الازمة الحقيقية للحكم وسوء الادارة والفساد المالي في العراق .
ان استشراء الفساد اصبح ظاهرة معروفة في العراق على مستوى العالم ، حتى ان معظم الشركات صارت تتعامل مع العراق على هذا الاساس ، اي ان العقود العراقية اصبحت في عهدة الشركات التي لها استعداد على دفع الرشاوى للمتعاقدين معها دون الاهتمام بانجاز اي مشروع ، لذلك نرى الفشل في المشاريع مستمر منذ عشر سنوات ، فرغم مليارات الدولارات التي راحت سدى ، لم يحصل المواطن العراقي على الخدمات الموعودة ، ومن الغريب ان يتقاذف المسؤولون تهم الفساد على بعضهم البعض . فقد اتهم رئيس الوزراء في حديث له الى تلفزيون العراقية مساء هذا اليوم 23 تموز وزراءه بعدم تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بل تنفيذ اوامر الكتلة التي رشحتهم للوزارة ، وضرب مثالا على الغباء في العقود ، شراء محطات كهرباء غازية في الوقت الذي لا ينتج العراق غازا لها ؟ وضرب امثلة عديدة اخرى على الرشوة منها تشييد مستشفيات من قبل الشركات الامريكية التي طالبها مدير مستشفى مدينة الطب بحصة من مبالغ العقود فاعرضت الشركة عن التعاقد .
ان سوء الادارة ينذر بانفجار كاسح يطيح بالوضع المتردي الحالي ولن ينفع بعد ذلك اطفاء حريق هنا ونار هناك ، فالحريق سيأكل الاخضر واليابس ، لذلك من الاولى للقوى السياسية المسؤولة ان تأخذ زمام المبادرة وتحاول اصلاح شؤون البلاد وتحمل الامور على محمل الجد .
ان عدم وجود رئيس اعلى – حتى ولو كان شكليا - للبلاد جعل كل مسؤول يغني على ليلاه ، فالحكومة لاتقوم باية انجازات ، ومجلس النواب مشغول بالقيل والقال ، والقضاء يصارع من اجل البقاء ، هذه هي السلطات الثلاث التي لا تستطيع انجاز اي شيء سوى الحصول على اكبر حصة من الرواتب والامتيازات والايفادات على حساب شعب يتلظى في سعير الصيف الحار والبطالة ونقص الخدمات .
تشكلت الاحزاب السياسية على اساس خدمة المواطن والوطن ، لكننا نلاحظ انها تحكم باسلوب نفعي طفيلي ، فجمع المال اصبح هدفها وبات مشابها لجمع الخراج ، على المواطن دفع الرشوة اينما يذهب ولاية مسألة او باب يطرق ، حتى ضج الناس من هذا التقليد الذي صار شيئا فشيئا داء عضالا لا يستطيع احد استئصال شأفته . الجميع يشكو منه ولكن لا مفر من التعامل به ، واصبحت تبعا لذلك السرقة والرشوة مشروعة بفتاوي وتبريرات وحجج وحيل شرعية ، ابتداء من الهدايا الى النذور .
وفتح باب الدجل على مصراعيه ، حتى شاهدنا من يعالج الناس بجكليته واصبح الطبيب الحقيقي هدفا للمسدسات والمفخخات والعبوات اللاصقة فخلت الساحة من الاطباء الحقيقيين واستحوذ عليها اطباء يعالجون الناس بضرب النعال و البصاق و بول البعير !
والانكى من ذلك استيلاء المسؤولون في الحكومة والاحزاب على الاراضي والبيوت والمباني التي تركها النظام السابق واصبحت عقود البيع والشراء تدر على الاتباع ملايين الدولارات ومثلها اصبحت البنوك الخاصة والعامة لقمة سائغة لكل صراف يحمل ختم مسؤول في الدولة يفتح به الابواب المغلقة على مصراعيها ، حتى صرنا نسمع سرقة ملايين الدولارات من قبل اسماء مجهولة تبحث عنهم الحكومة في مجاهل الغابات الامازونية .
اما الامن فحدث ولا حرج ، يتربع عليه بعض من لا خبرة ولا دراية لهم به ، اصبح امن المواطنين بايدي الاتباع والاقارب والاصهار ، فصاروا يسمون الحلاق جنرالا ، والنجار عميدا ، والحداد فريقا .. واصبحت الرتب العسكرية تباع بابخس الاثمان .
وفي الوقت الذي لا يستطيع وزير الدفاع فك رموز فساد اجهزة كشف المتفجرات ، نجده يحمل حقيبتين وزاريتين ، احداهما عسكرية والاخرى ثقافية ، في محاولة لتقليد الفضل بن سهل ذي الرئاستين ، رئاسة السيف والقلم ، فاثقل كاهله بما لاطاقة له به .
ان تغييب الاختصاص ، والعمل بطريقة قدرية ، باتت سياسة ثابتة في عمل الحكومة ، و ما دامت المناصب تباع وتشترى بالاخضر الفتان والاصفر الرنان ، سوف لن يحصل العراق على ادارة حكيمة تستطيع تسيـيـر دفة شؤون البلاد ابدا .
وما لم ينهض المواطن من غفوته ويحمل بيده راية التغيير ، فلن يتغير شيء في البلاد ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم .
مقالات اخرى للكاتب