بعد الركود والخمول الذي يعم الحياة الثقافية والفنية في باريس في الصيف، تدب الحياة والنشاط في العاصمة مع حلول الخريف، اذ ما ان يبدأ شهر ايلول حتى تتكثف الفعاليات والمهرجانات في جميع الميادين لدرجة أن الباريسي يشعر بالقلق كونه لا يملك متسعاً من الوقت لحضورها جميعا. أول هذه المهرجانات التي يعشقها الفرنسيون المعروفون بتعلقهم الشديد بتراثهم القومي الغذائي هو مهرجان الجبن والنبيذ الفرنسي. ففي منتصف أيلول من كل عام تقام في العاصمة أسواق على شكل قرى صغيرة يأتي اليها الفلاحون والمنتجون للأجبان والنبيذ من كل أنحاء فرنسا لبيع منتجاتهم المحلية التي يصنعونها في معاملهم المنزلية الصغيرة .
هذه السنة كان ضيف الشرف مابين هذه المنتجات هو جبن الروكفور المشهور بالمذاق القوي ,وهي جبنة يتخللها اللون الأزرق بسبب العفن الفطري اللذي يمنحها مذاقا نتذكر به الحقول والجبال التي صنعت فيها. الجبنة أحتفلت هذه السنة بعيد ميلادها 150 وهي الجبنة الفرنسية الكثيرة الرواج ليس في فرنسا وحسب بل وبالعالم كله.
ويصادف في نفس التأريخ هذه السنة يوم الميراث القومي الذي يعتبر يوما أورربيا أيضا. ففي هذا اليوم تفتح أبواب كل ما تعتبره فرنسا ميراثا قوميا يجب الاحتفاظ به بل وتقديسه من أماكن أثرية هشة وحساسة وحتى الأماكن الأمنية التي لايسمح للأشخاص العاديين الدخول اليها في الأيام الأعتيادية.
في يوم الميراث القومي يحق للعامة زيارة هذه الأماكن مجانا، ومن الأمثلة على هذه الأماكن القصر الجمهوري أو الأليزيه الذي يعتبر من أوائل الأماكن التي يتجه اليها العامة وينتظرون في الصفوف الطويلة لساعات وساعات كي يحظو ،ربما أن أسعفهم الحظ ، بالاستقبال من قبل رئيس الجمهورية وعائلته كأي شخص عادي يستقبل ضيوفه. ومن الآثار الأخرى التي تثير إهتمام العامة هي مقبرة العظماء حيث يفتح الجانب الأهم منها مثل مقبرة مدام كوري وفيكتور هيكو وسواهم الكثير من الشخصيات الفرنسية التي كان لها دور مهم في الثورة الفرنسية ..الخ.
مقرات القنوات التلفزيونية تعتبر أيضا ميراثا قوميا يفتخر به الفرنسيون و يستطيعون زيارتها ذلك اليوم ، علما أن الكوادر تستمر بالعمل فيها بدون إنقطاع مما يمنح الزوار فرصة رؤية الستوديوهات وما وراء الكواليس وإن حالفهم الحظ يمكنهم أيضا مقابلة نجوم الشاشة الصغيرة والكبيرة والكثير من الصحافيين المشهوريين.
الميراث القومي مهما كان نوعه أمر تشجعه فرنسا وخصوصا هذه السنة بعد مرور 100 عام على قانون عام 1913 الذي بموجبه تتبنى فرنسا برنامج الحفاظ على المعالم الأثرية والمعمارية أو أي مكان ذي شأن ذات أهمية في تأريخ الفن . فمن أجل الحفاظ على الهوية الفرنسية متمثلة بكل ما تمتلكه فرنسا من آثار ومعالم فهي تصرف الملايين كي تقوم بأعمال الصيانة والترميم وتمويل ورشات العمل في هذا المجال.
أما الميراث القومي الغذائي من الجبن والنبيذ وكل المنتوجات المحلية وخصوصا الحرفية منها، فالحكومة تسعى الى وضع علامة فرنسية وطنية عليها خوفا من س تزويرها وهي تشجع على إستهلاك المنتوجات الفرنسية على الرغم من غلاء اسعارها، ولكن في هذا النوع من المهرجانات يتم تخفيض أسعارها كي يتم شراؤها من قبل الجميع.
د.تارا إبراهيم-باريس