-٣-
ان كان حيدر العبادي محظوظا بالحظوة التي رافقت ترشيحه لرئاسة الحكومة فاني لارجو مخلصا ان يستمر هذا الحظ لانه سيحتاجه كثيرا في قابل الايام ، فقد ورث تركة ثقيلة اقل ما فيها انها جمعت كل القضايا التي تم مناقلتها تحت باب (الاخوانيات) وورث كل السياسات الضرورية في حينها والتي تم تأخيرها لما بعد فوات الاوان !
وفي الوقت الذي يجب ان يباشر فيه العبادي بعملية بناء الثقة (وهي الركن الاهم حاليا في بناء النظام السياسي) تبرز له جملة معوقات مستجدة ، وكأن الارث المتراكم لم يكن كافيا ، بل انني احيانا اتلمس نشوء فصيل سياسي يقوم بمهام الطابور الخامس في عرقلة عجلة الاصلاح ، ولا ادل على ذلك من الحشد الاعلامي المضاد الذي يقف بازاء كل خطوة يخطوها العبادي وفريقه الحكومي ، رغم ان الوقت ما زال مبكرا لتقييم اداء الحكومة فضلا عن انتقادها.
لقد حاول فريق من السياسيين المقامرين خلال الحكومة الماضية ان يتاجروا بشعارات النزاهة والشفافية والدفاع عن مصالح المواطنين ولكنهم اسقطوا بثرثرتهم الفارغة هيبة الدولة وسلطاتها وبالخصوص هيبة البرلمان الذي يمثل المؤسسة الوحيدة المنتخبة مباشرة من الشعب وبالمقابل فان اغلب هؤلاء المتشدقين لم ينالوا مبتغاهم بالوصول الى البرلمان مجددا الا ما ندر ، على ان ضياع هيبة الدولة يثبط عجلة الاصلاح ويبدد قدراتها.
لقد فرض الارهاب الذي استثمر جميع السياسات الخاطئة السابقة وحقق موطئ قدم مهم في الموصل وتكريت واقعا جديدا على عملية بناء الدولة العراقية ، فقد استبق الكرد الاحتمال الراجح في حينه بتجديد ولاية السيد نوري المالكي ليفرضوا واقع الحال في المناطق المتنازع عليها، وبالمقابل وجد السياسيون السنة انفسهم بلا مأوى سوى اللجوء الى كردستان او عمان ورفع وتيرة المطالبة بالاقليم السني ، اما العبادي فانهمك في معالجة قضية تشكيل الحكومة التي يجب ان يتم اعلانها قبل المدة الدستورية باسبوع على الاقل كي تلتحق باجتماعات ومفاوضات تشكيل التحالف الدولي ضد داعش ، وكنتيجة لكل ذلك اهمل الجانب الامني وتركت ادارة المعارك للقادة الذين تسببوا بانهيار الجيش وخسارته المفجعة مما سبب خسائر لاحقة اشد وطأة وايلاما ولعل جريمة المغدورين في قاعدة سبايكر تقف على رأس تلك الخسائر حتى وصلنا الى الحال التي اضحى فيها تدويل القضية العراقية هو الخيار الوحيد امام الجميع.
اليوم ونحن نقف على هذا الكم من التراكمات المؤلمة يبقى خيار شكل الدولة العراقية هو محور القضية ، فالاقليم الشيعي الذي سيبقى غنيا بالنفط لمدة مئة عام فقط ، يفتقر للموارد المائية التي تأتيه من تركيا بالاساس ثم من الاقليمين الاخرين الكردي والسني ، والاقليم السني سيكون موضع اهتمام من العمق العربي الاوسع الذي سيسعى لابتلاعه والوقوف على حدود الاقليم الشيعي كمارد يقف امام بطل مكدود ، والاقليم الكردي لن يكون قابلا للحياة ما لم يقضم الجزء التركي الذي يوصله الى حدود ارمينيا ويفتح له منفذا على البحر!
كل هذه التحديات تبدو شديدة الصعوبة على جميع المكونات العراقية لتخوض غمارها الا اذا كانت حيلة المضطر!
ان نتائج الاستفتاء في اسكوتلندا يجب ان تقود العراقيين لنمط جديد من التفكير ، وبدلا من ان نشن الحملات الممنهجة والعشوائية ضد اي استفتاء لتقرير حق المصير في العراق علينا ان ندرس الاسباب التي دعت غالبية الاسكوتلنديين للتصويت ضد الانفصال ونستفيد منها في ايجاد البديل النوعي لاسباب الانفصال في العراق.
مقالات اخرى للكاتب