ضمن أربعة ضيوف في برنامج (بالعراقي) الذي يبث من على قناة الحرة، كانت د. بشرى العبيدي عضو مفوضية حقوق الانسان هي المرأة الوحيدة، وكان موضوع الحلقة عن التعايش السلمي بين القوميات والاديان والطوائف وكل ماابتلي به العراق من تقسيمات ومسميات. اما الضيوف الثلاثة، فكانوا: القس ليو باسا كممثل عن الطائفة المسيحية، والاستاذ سعد سلوم والاستاذ غيث التميمي كناشطين في مجال العمل المدني. في البداية كان جميع الحاضرين متفقين على ضرورة التعايش السلمي، وان الطائفية وداعش صنيعة اجندات ولابد ان تنتهي و و.. كان واضحا ان كل منهم يرفض التعصب الطائفي وحروبه جملة وتفصيلا، ولكن ماإن تشعب النقاش حتى انزعج القس من فكرة ان المكون المسيحي صار ضحية صراعات المسلمين، فكل من السنة والشيعة يلوذ بسياسييه وميليشياته وبدول تدعمه و تحميه لحظة الخطر، فأين يولي المسيحي العراقي وجهه وهو يدرك انه أقلية باتت تشكل 1% او اقل في العراق، وشكى من ان المسيحيين لم يتلقوا الدعم الكافي ولم يجدوا حضنا يحتويهم سوى اقليم كردستان. وكان موقف الضيفين الآخرين واضحا من خلال رفضهم للطائفية مع الاقرار بوجودها؟؟ وهذا هو الجزء الأخطر في الموضوع، وحدها د. بشرى العبيدي حاولت ان تبعث روح التفاؤل من ان الطائفية بدأت تنحسر لدى الكثير من اصحاب العقول النيرة من الشباب خصوصا، فعلق احدهم على ماقالته بانه (تفاؤل جميل) لكن الواقع؟؟، وقال الآخر بأن هذا التلاحم بين السنة والشيعة موجود بين قلة من الشباب صغار السن من ناشطي المجتمع المدني على صفحات الفيس بوك. عبثا حاولت د. بشرى ان تؤكد لهم ان اللاجئين من اهالي الانبار هم ضيوف في كربلاء والنجف وانها التقت بمسيحي ايضا في كربلاء، وان الاهالي هم من يتولى اغاثة النازحين وليس الحكومة، ومثل هذه الامثلة كثيرة في اماكن اخرى من البلد.
ليس المقصود هنا مناقشة موضوع البرنامج، بل مواجهة الحقيقة التي برزت اثناء مشاهدتي لهذه الحلقة، هي من تصرخ بألم شديد: لامجال للتفاؤل في هذا البلد، وكل صوت معتدل سوف يجابه بالرفض والتنكيل والسخرية حتى ممن يؤمن بصدقه وصحة مايأتي به من آراء. كلنا يرى الحقيقة، من عانى من نار الطائفية، ومن لم يعاني، كلنا يعرف انها زرعت بيننا وكبرت جرحا في صدورنا وان البعض أوغل في حقده وكرهه للطرف الآخر، ويكفي نظرة سريعة على صفحات الفيس بوك لندرك ان التعصب الطائفي حقيقة موجودة، وحتى وإن إستقرت الامور في البلد، فقد نحتاج الى سنوات لإطفاء نار الحقد وربما.. لعقود من الزمن.
يقال، ادراك الحقيقة هو مفتاح الحل، فاذا كان الجزء الواعي منا يدرك هذه الحقيقة ويرفضها، فلماذا توصم افكاره بالطوباوية، لماذا أصبح التفاؤل تهمة؟ هل تغلغل اليأس في عقولنا وقلوبنا حتى فقدنا الأمل الذي يزهر في لحظات خالدة في عيون البعض ممن يدعو للتلاحم ونبذ العنف والتعصب، أم ان المرض قد استفحل في المجتمع، وفعلا لايوجد أي علاج سوى الفرقة والحقد؟
في نهاية الحلقة، شعرت ان د. بشرى العبيدي كانت وحيدة فعلا في تفاؤلها وايمانها بوجود اصوات تدعو للاخوة بين الطوائف والاديان ليس بالكلام فقط وانما بالفعل. قد تكون هذه الاصوات قليلة في ظل الاصوات النشاز التي تصم آذان معظم طبقات الشعب من سياسيين، وممن يدعون أنفسهم (مثقفين) وغيرهم، لكن علينا أن نؤمن بأن مسرحية الحرب الطائفية التي بدأت في 2005 لن تعود وان تصاعدت وتيرة الاغتيالات والخطف وغيرها، لن تعود لانها لم تعد ضرورية، فالحرب الطائفية موجودة في عقول الغالبية، هي حرب، وللأسف (فكرية، اجتماعية)، أبطالها هذه المره لاينتمون الى صولة الفرسان أو غيرها، أبطالها لن يكونوا سياسيين أو قادة جيش، بل مفكرين ومصلحين، وهي الحرب الأصعب في بلد تورط حتى مفكريه في حروبه.