كانت قريش تأكل اربابها عندما تجوع لاسيما المصنوعة من التمر , فرحلة الصحراء الطويلة والجوع الضارب بعد نفاذ الزوادة لايترك للرب نصيب في البقاء وهذه فرص اثبات قدرته على العون والا كيف يكون رب وهو بلا فائدة!! اللات والعزة ومناة , كانت رموز الجاهلية الاولى وبعد مجيئ الاسلام الذي اراد القضاء على العبودية والخضوع لغير الله , تحولت الرموز بعد وفاة النبي الى ارباب نابضة بالحياة , تاكل وتشرب وتحكم وتقتل من اجل بقاءها في المراتب العليا وتعمل على صيانة الامانة من كل خير, التحول لم يكن وليد وقته بل بناء عتيق وافكار تراجعت تدريجياً للظلام بعد سطوع نور الرسالة المحمدية وتحت تأثير هذا الوهج الخاطف للابصار لم يكن هناك متسع لبروزها لكنها عادت بايات من الذكر الحكيم وتلاوة مباركة يخشع عند قولها قوم لايفرقون بين الناقة والبعير , فتمخض عنها شعار ـ امير منا وامير منكم ـ فتوالت أنذاك جموع العابدين تحج بخشوع وافر عند صوامع وابراج الارباب الجدد باذلي العطاء والهدايا للتابعين والمريدين لتؤسس بذلك امبراطوريات ـ والذي يحلف به ابو سفيان لاجنة ولانار ـ انما هذه الحياة الدنيا نعيش ونموت فيها ومانحن بمبعوثين .
اذن فكرة اعادة ترتيب الرموز وتحويل مساراتها واشكالها لايخضع لعملية تطهيرية مشبعة بأماني ايمانية ورعة ونوايا جليلة تنشد كرامة الانسان وحريته وانما اوهام باطلة واطماع حياتية تُملى عليهم بكرة واصيلا , ليشترك الجميع بهذا العمل التاريخي الجبار , الحفاة والمنتعلون , العراة والمرفهون , الساسة والسماسرة ,القتلة والصوص , وبذلك يكون طريق الجنة المرجوة يمر تلقائياً بمقرات حريم السلطان وخزائنه العامرة بخيرات الامم! ومن يخالف هذه السُبل يُعد مارق وزنديق سقط ضحية الهرطقة والغواية الشيطانية ,وعلى اهواء الملوك والامراء وضعت مبادئ الدين الجديد في الشكل والمضمون وكتبت اسفار كثيرة سُيرت بها الجيوش وقطعت بها الرقاب وهدمت بيوت الفقراء والمخالفين حفاظاً على " الاسلام" .
مع تطور الحياة تطورت معها منظومة البناء السلطوي للارباب , وبما ان التاريخ حالة مقدسة للكثير من الشعوب لاسيما المهزومة منها فانه ـ اي التاريخ ـ يمنح لمن يشاء هالة من النور والقدسية والشرعية المطلقة ومن جهة اخرى يضع الاسس المثمرة لسياسات وطقوس صارمة تخدم الارباب الجدد واتباعهم وتبرر حتى افعالهم الشيطانية , وهذا الحكم لايستثني اي جهة تجيّر الدين السماوي لصالحها بخلق رب صغير يدر عليهم ارباح طائلة يغنيهم عن العمل المضني, وعلى سبيل المثال لاالحصر مافعلته بني امية من اعادة كتابة التاريخ والاحاديث وزجت فيه مايبرر سلطانها ويدعمه " سماوياً " وبذلك تحول ربهم الارضي الى خال المؤمنين وكاتب للوحي , وببركاته فتح الله على الامة الاسلامية خزائن الشرق والغرب.
وبقراءة سريعة لكل الاحقاب التي مرت على الامة الاسلامية نجد انها استطاعت الهيمنة على الكثير من البسطاء وتمكنت من تسليط بعضهم على بعض بخلق اجيال خاضعة ومستسلمة لفكرة الخليفة ـ الرب ـ والسلطان الحاكم بامر الله يوجههم كيفما يشاء ويقتلهم متى يشاء ويذبح بهم من يشاء!! ومتى ماجاء سلطان اقوى ومن نفس قماشة الخليفة السابق دانت له الناس وخضعت الرؤوس الكبيرة منها والصغيرة وكفرت بالرب القديم , ورحم الله الوالي ... وحفظ الله الوالي , مع ان بعض المؤرخين قد ذكروا بان بعض الخلفاء والسلاطين ماتوا وهم في نشوة الخمر او احضان الفجور ناهيك عن الجرائم التي ارتكبوها بحق خصومهم ومع ذلك نجد في عصرنا من يستمد منهم قوة الايمان وصلابة الموقف الشرعي المدافع عن الاسلام وبيضته!!.
وخلاصة القول بان الارباب المصنعة محلياً ولاغراض السلطة والقوة والنفوذ ينعمون بنفس الامتيازات والقدسية لرجالات التاريخ المقدسين مبدأياً بغض النظر عن سلوكهم وممارساتهم الاجرامية او حتى شذوذهم الجنسي , فهم يمثلون رغم كل الموبقات التي نهى عنها الاسلام شرائح وطبقات كبيرة من المجتمع الاسلامي حتى لو كان هذا الرب المفترض يعتنق الافكار العلمانية المتضاربة مع روح الشريعة الاسلامية , ومتى ما شعر الاتباع بالخطر الحقيقي يهدد حياتهم ومصالحهم الشخصية كفروا به او هموا بقتله او ربما تسليمه للاعداء مقابل حفنة من الدراهم , وبعد ان يبتلعوا ربهم او يأكلوه بطريقة ما كما كانت قريش تفعل ذلك عند خوفها من الموت جوعاً , يقيموا قداساً يحيون فيه ذكرى شهيدهم المقدس ويرفعون قميصه علماً خفاقاُ ينير للاجيال المنقادة طريق الحرية والكرامة صوب السلطة والعرش.
مقالات اخرى للكاتب