لا ينبغي أن يتوهم متوهم أن معاهدة الحسين (عليه السلام) في قبول أطوار الشهادة خاصة بواقعة كربلاء، وبيوم خاص يسمى عاشوراء، وأنّ همّه (عليه السلام) من طلب النصرة لم يكن سوى دفع أولئك الأشقياء!
أتخال أن سيادته (عليه السلام) على الشهداء مخصوصة بأثنين وسبعين من الأوفياء، وهم المعهودين الحاضرين في معركة كربلاء؟ ليس كذلك، بل ان سيادته في الواقع شاملة لجميع الشهداء منذ أن خلق الله الأرض والسماء؛ لأن مرامه (عليه السلام) ما كان إلا حفظ دين خاتم الأنبياء. فقد كان عنده حفظ الدين، أهم وأولى من حفظ نفسه بالقطع واليقين.
ولما كان -في عالم الملكوت والأرواح- مكشوفاً على الكل أن الحسين (عليه السلام) هو حامل لواء تلك الدعوة، والقائم بأمر بتلك النصرة، أجاب له من أجاب بكامل الميل والرغبة، ولبّاه بلا خوف ورهبة. وقد أخذ الله بتلبية دعوته حين أخرج من آدم ذريته، وأشهدهم بما أشهدهم عليه من ميثاقه، وامتحنهم لإجابته. فظهر أثرها في هذا العالم، في كافة الأمم، من مضى منها ومن تقدم. فتحملوا في سبيل الله الأذى وتقبلوا لحفظ الدين أنواع البلا، مع التسليم والرضا. فمنهم من صار غريباً عن الوطن، بعيداً عن الأهل والمسكن. ومنهم من صار قتيلاً في الوغى، شهيداً في أيدي الأعداء والخصماء، ليقوي به الدين، ويُحفظ ناموس الشرع المبين.
فكل هؤلاء من المجيبين لدعوته، والقائمين بنصرته، في أي عصر كانوا من الأعصار، وفي أي مصر من الأمصار. ولو في عهد آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى، من سابق ولاحق. فإن الحسين (عليه السلام) في ذلك مَثَلُهُ مَثَلُ جدّه (صلى الله عليه وآله)، هو الخاتم لما سبق والفاتح لما استُقبل والمهيمن على ذلك كله، وكل من قام بنصرة دين الله -على سبيل التحمل والتسليم- فيما مضى أو فيما يأتي، فهو من فروع ذلك الأصل القديم، ومن آثار دعوة هذا الإمام الكريم.
وبالجملة، كل غريب من الغرباء، وكل شهيد من الشهداء، ممن أبتلي في سبيل الدين، بالثبات واليقين، لا شبهة في أنه من أنصار ذلك الإمام المبين، ومن أوليائه، وهو ما يشير اليه قوله (عليه السلام) : أو مررتم بغريب أوشهيد فاندبوني.