1- كعراقيين ، نحن في حالة حرب شاملة ، منذ سنوات طويلة نسبيا ، تستهدف مّنا ، المعنى والمبنى ، وهي كأي حرب شاملة تنطوي على استخدام اسلحة متنوعة وذات مديات وتأثيرات متداخلة ، كما ان واقع حالها يقول انها تشهد انواعا من الضرب ، فوق الحزام ، وتحت الحزام ، كذلك .
2- وفي مثل هذه الحال، حال الحرب ، ثمة معارك حقيقية او رئيسية وفاصلة واخرى صغيرة تمهيدية وثمة ايضا معارك جانبية وأخرى مفتعلة ووهمية ، لا تهدف الاّ الى التغطية والتمويه وربما حرف انتباهنا وتوجيه انظارنا الى اتجاهات اخرى ، بعيدا عن المكان والزمان الذي ستزج فيه كتلة القوى الرئيسية التي يريد العدو او الخصم ان يأخذ زمام المبادرة فيها ..
3- ان للمعارك الجانبية او الوهمية او المفتعلة، بالطبع ، دور وظيفي مهم ومتمم للأدوار الرئيسة الاخرى . اذ ان من ينجح في بلبلة وعي عدّوه او حرف انتباهه الى حيث يريد او دفع كل او بعض طاقاته الى مسارب اخرى للطاقات ، وساحات غير مؤثرة للغو والشجار سينجح ، بالتالي، في حسم الكثير من الامور لصالحه ....
4- في بحر اسبوع من بدء معركة الموصل استُهدفنا بقصف اعلامي ، يبدو مركزا ، بقذائف مختلفة العيار كما هي مختلفة النوعية ، لكنني اضنها متساوقة التأثير مثلما هي متظافرة اتجاه عين الهدف ، رغم صدورها ، في ظاهر الحال ، عن جهات متباينة ! ... ففي مطلع الاسبوع ، طلعت اربعة محطات فضائية ، موجهة ، هي ال NBC والحرة وراديو سوا والDW بتساؤل مستفز لا يصدر الا عن وطني غيور او ثوري متحمس واتفقت ، جميعها ، على ذات المفردات تقريبا :ماذا يفعل برنارد ليفي ....في جبهات القتال ؟! مشيرة الى ان " مهندس " ثورات الربيع العربي ، المتفق على صهيونيته ، قد اطل على نحو مفاجئ في جبهة الموصل.... فلمَ الإشهار حيث يقتضي المنطق الكتمان وعلامَ الكشف حيث يستوجب السياق التغطية ! وبعد ايام قليلة اعلن خبر اصدار مذكرة قبض بحق اثيل النجيفي بتهمة التخابر مع دولة اجنبية ، فلم يستدعِ من الاهتمام اكثر من الخبر الاول وتردد الرأي ، المنعكس عبر اجهزة الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بين التأييد والحماسة وبين التردد والتساؤل عن مدى صحة التوقيت وطبيعة الاشارات التي يبعثها ....
5- لقد كانت القنبلة الاولى ، قنبلة برنارد ليفي ، عنقودية ، تتضمن ثلاثة قنابل في واحدة ، هدف الاولى التطبيع مع اسرائيل وتهيئة الذهنية العراقية " الجامدة " بهذا الخصوص للتعامل السلس مع مثل هذا الامر ومن خلال نافذة مؤمّنه هي النافذه الكردية وتمهيد الارضية لقنبلة ثانية مرّت او تكاد تمر دون ضجة هي حضور او تواجد فريق اعلامي عن التلفزيون الاسرائيلي وخصوصا قناته الثانية اما القنبلة الثانية فكانت خدمة لداعش والجزيرة ومنظومة الخليج العربي في التشكيك بمدى شرعية وعروبة واخلاص الهجوم على الموصل خصوصا من ناحية الحكومة والحشد ، المتهمين ، دائما ، ولأسباب باتت معلومة ،اما الثالثة فذات علاقة بالقنبلة الأخيرة التي سيفجرها السيد محمود الحسن ....
6- وفي الوقت الذي مازال البعض منا يناقش قضية برنارد ليفي وفيما اذا كان هناك حقا او لم يكن ، ثم ما الغاية من هذا الاعلان الصارخ حول تواجده ؟ جاء الاعلان عن صدور مذكرة القبض على اثيل النجيفي بتهمة التخابر مع دولة اجنبية لتثير ، كما هو متوقع ، دوامة من الاسئلة حول المغزى والغاية والتوقيت والاثر والحافز الذي يتركه لديه او لدى اشباهه وفيما اذا كان سيدفعهم نحو المزيد من الارتباط المصيري بالقرار او التواجد التركي او الامريكي او البارزاني ليكونوا جنوده العلنيين وادواته لتأسيس مشروع الإقليم السني مثلا ؟! والتساؤلات ، ايضا ، حول المعني بالتخابر وفيما اذا كان سيشمل الكثيرين من السياسيين ممن يسهل اثبات تعاملهم مع اجندات دول اقليمية عديدة اخرى بل وزار بعضهم كيانا ما يزال يعتبر العدو رقم واحد بالنسبة للعراق وهو اسرائيل كما تبادل الاسرائيليون مع بعضهم الزيارات ... بل وفيما اذا كان التعامل مع الولايات المتحدة ،نفسها، وهي الراعي الرئيس للعملية السياسية والنظام السياسي في العراق واجهزتها السرية والعلنية والذي دأب عليه معظم افراد هذه الطبقة وشخصياتها المؤثرة يعتبر نوعا من التخابر ؟! ثم التساؤل الواقعي فيما اذا كان للسلطة العراقية او القضاء العراقي امكانية بحث مثل هذه الوقائع او التقاضي على اساسها وفيما اذا توفرت لديها القوة اللازمة لتنفيذ مثل هذه الاجراءات وهي التي لم تستطع ان تحاكم أيا من متهميها السابقين وبقضايا عديدة مختلفة الاّ غيابيا وبعد ان تم تهريبهم بعلم وتدبير السلطة التنفيذية ! فعلام اذا اثارة مثل هذا الامر الان ، ولماذا لم تثر منذ سقوط الموصل بيد داعش او ، على الاقل ، منذ اشهر وحال اثيل مع الاتراك كحال اخيه معلوم وموثق ولم يعد يخفيه لا هو ولا خميس الخنجر ولا مؤتمره الذي شهدناه قبل ايام ولا العشرات غيرهم !
7- القنبلة الأخيرة كانت قنبلة " فراغية " وهي الاكبر حجما . وكانت تستهدف خلق دوامة تستقطب اليها انتباه معظم العاملين في القطاع الاعلامي وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي و" المدنيين " من المتظاهرين المزمنين رغم ان التظاهر قد تحول ، على ايديهم ، الى نوع من الممارسة الروتينية التي ماتت عنها حماسة الجماهير وخبا املها في التعويل عليها . وكانت هذه القنبلة هي قنبلة الشاطر محمود الحسن الذي اثبت انه اكثر حصافة مما حسبه البعض او ربما كان مجرد اداة بيد من هم اكثر حصافة ودهاءا، انها قنبلة ذكية وليست كما يحسب البعض من انها فعل جاء في غير اوانه وساعته بسبب من خطل صاحبه القاضي الذي لا يفرق جيدا بين القول المأثور والآية الكريمة كما كان شأنه مع مقولة " العدل اساس الملك " . لقد استغل السيد محمود الحسن ، وهو رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب ،سياق تعديل قانون الواردات البلدية الرقم 130 لسنة 1969 وهو قانون ينظم مصادر ايرادات البلدية كما هو واضح من اسمه ، ليمرر ما اراد او اراد غيره ولغايات لا علاقه لها بأسباب التعديل الموجبة والتي ادرجت في نص التعديل ومنها ظهور مهن واعمال جديدة يتعين شمولها بأحكامه اذ لم يورد التعديل الجديد اية مهنة او وظيفه جديده بل هو على العكس الغى وشطب مهنا قديمة ! ، ومن يراجع القانون رقم130 السابق وتعديله الحالي لا يجد اي تعديل مهم او اضافة حقيقة او جديّة سوى اضافة المادتين (13) و(14) واللتين الغت اولاهما القانون القديم كما يقتضي اصدار اي تعديل او قانون جديد كما تضمنت الغاء مواد من قانون رقم 175 لسنة 1969 والتي تخص تنظيم اجازة وعمل الملاهي الليلية والنوادي .... اما الثانية فقد تضمنت ما يبدو غريبا ومقحما على السياق تماما ، اذ انها نصّت على حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها ، فما علاقة قانون يخص موارداالبلدية المالية بمثل هذا الحظر ، ولماذا لم يصدر بقانون خاص ؟
8- ان ذلك يرّجح ما ذهب اليه بعض النواب من ان المادة (14) لم تكن موجودة في النسخة الورقية لمشروع التعديل والتي تمت قراءتها وانها اضيفت خلسة قبيل التصويت لأحراج النواب على اساس الامر الواقع وهو ما المح اليه سليم الجبوري ، رئيس المجلس ، ايضا . ومثل هذه الممارسة مقبولة ومسوغة عند الكثير من الاسلاميين وفقا لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة ، فالإخوان المسلمون ، مثلا ، لم يكونوا يخفون قبولهم الكذب في سبيل تحقيق خدمة او منفعة للإسلام والمسلمين قياسا الى قول الرسول ان الحرب خدعة !
9- لكن الامر الأخطر من هذا والذي يثير عميق شكوكنا هو ان الفقرة المضافة استهدفت الاقليات الدينية على وجه الخصوص في مورد من موارد العمل والرزق ، فقد حضر القانون الاستيراد والتصنيع والبيع وهي ، جميعا نشاطات اقتصادية لا يمارسها المسلمون وتقتصر ممارستها على المسيحين والأيزديين والذين سبق ان استهدف بعضهم ، خصوصا في بغداد ، بالاعتداء والقتل ، واذا ربطنا ذلك ، وهو مرتبط لا محالة بالمطالبات التي يراد لها ان تتعالى بمحافظات مسيحية او ايزيدية في سهل نينوى ، مستقلة او مرتبطة بأقليم كوردستان ، وضحت الغاية الحقيقة او الهدف الفعلي الذي يدفع باتجاهه هذا القانون خصوصا وانه لا يجّرم الحيازة ولا التعاطي ، اي انه لا يستهدف جمهوره الذي يدعّي السيد محمود الحسن انه يهدف لحمايته ويرفع التهنئة على اساسه الى مقام المرجعية !
10-ان هذا يعني ، ضمنا ، وعمليا ، حضر نشاطات الاستيراد والتصنيع والمتاجرة في وسط وجنوب العراق بما يحتم بحثها عن بيئة مناسبة وآمنه وستكون في مثل هذه الحال ، حكما ، كوردستان والمناطق التي ستتحرر من سهل نينوى وهذا يعني ، ايضا ، الطلب الى مسيحي الوسط والجنوب الهجرة الى هناك ....
11- ان تجارب بلدان كثيرة ، اثبتت ان تنظيم امر وسائل التسلية والترفيه ومنها المشروبات الروحية وتحديد اماكن تعاطيها كما كان شأنها في العراق طوال عقود والاشراف عليها رقابة وتفتيشا وتنظيم ذلك بقوانين كذلك الرقابة على تصنيعها وازالة الخطر الذي قد يتسببه تحضيرها الموازي خارج اطار الرقابة وبوسائل بدائية اجدى وانفع واقل ضررا على الصحة والمجتمع بكثير من المنع الذي اثبتت مجتمعات مجاورة فشله الذريع بل وتسببه في انتشار آفات اكثر ضررا ،منها المخدرات والعقاقير واتساع حركة التهريب وما يجره كل ذلك من اضرار مركبة ومتفاقمة ... ولو كان السيد محمود الحسن او غيره حريصا على معالجة مشكل اجتماعي ومكافحة جذوره ، اذن لدرس الموضوع من كافة جوانبه ولأستعان بخبرات نفسية واجتماعية وحقوقية وطبيه في هذا المجال ، لكنه لم يفعل خصوصا وان الواقع يقول ان لا مشكله حقيقيه لدينا بهذا الخصوص وان عدد معاقري الخمرة ومدمنيها ربما كان هو ألأقل لدينا من مجتمعات اخرى مجاورة او حتى المجتمع العراقي نفسه في عقود ماضية ، ان السيد محمود الحسن لم يفعل لأنه غير معني باصلاح ومعالجة آفة اجتماعية حقيقية ....
12- قلنا ان قنبلة برنارد لويس العنقودية حوتْ ثلاثة قنابل في آن ، وتعرضنا لأثنين منها اما الثالثة فهي ان يوضع السيد برنارد ليفي ، الصهيوني وعرّاب حركات الخراب والشقاق وتدمير الدولة الوطنية وتمزيق شعوبها الى مكونات وامارات متكارهه ، ومن تبعه لاحقا من فرق اعلاميه صهيونيه وهم يظهرون في افق الموصل وما يشيرون ويرمزون اليه ، في اطار من المقارنة اللاشعورية عند المتلقي العراقي ، وخصوصا الاقليات الدينية والناشطين والمثقفين من اعلاميين وشباب بينهم كرموز محتملة لحرية زائفه ، وبين محمود الحسن وكل ما يرمز ويشير اليه ، الذي لازال هو ومن يشبهه يبحث في هذا النص القانوني او ذاك عن اية كلبجة اضافية تخص هذه الممارسة الصغيرة والعابره المتعلقه بالحريات الشخصية اساسا او تلك مديرا ظهره ، بالكامل ، لمعارك اكثر جدية وأهمية .
مقالات اخرى للكاتب