لم تنفك مؤسسة الدولة العراقية تخرج من أزمة حتى تدخل في أزمة ثانية وأزمة ثالثة تعقبها فمن الأزمات السياسية التي كانت تفتعل حتى لأتفه الأسباب بين السياسيين وكتلهم فتتشعب وتأخذ مناحي طائفية أو عرقية بناءا على جذور لها سابقة وتنتهي بتدخل خارجي بتوزيع جديد مناسب للأدوار أو لا ينتج عنها إذا استفحلت ألا المزيد من القتل في تفجيرات كثيرة حصدت ألاف الأبرياء وأخيرا تمخض صراع الإرادات عن جديد الأزمات فأصبحنا نعاني اليوم من طراز خطر ومتطور في الأزمات هي الأشد في تحديد مصير الشعب العراقي لاحت علاماتها منذ بداية عام 2015 وتشكيل حكومة الدكتور حيدر ألعبادي واشتدت تداعياتها مع إعداد ميزانية العام القادم وصارت تتلاطمنا أمواج أزمة اقتصادية خانقة كنا لا نشعر بتداعياتها بهذا الشكل لأسعار النفط المرتفعة التي كانت تغطي على الأخطاء التي تراكمت حتى بدأت تثير مخاوف كل مواطن وان لم يكن معني بشكل مباشر في وضع الحلول لها حتى وان كان مجتهدا في عالم المال لان أصحاب القرار سدوا آذانهم عن سماع أي صوت من الداخل مهما كانت وطنيته وطريقة طرحه إلا القليل منهم وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة لتعدد الرؤوس والقادة في عراقنا الجديد مع دستور يقر الجميع بوجود الهفوات القاتلة التي تضمنها واعترفوا بضرورة إصلاحه ولكل في ذلك رأي أو اجتهاد يعنيه مبني على التطابق مع مصلحته أو مصلحة انتمائه الطائفي أو المذهبي .
جميعنا نعرف إن من بين أهم مسببات الأزمة الاقتصادية الحالية هو سوء إدارة مؤسسات الدولة طيلة الفترة السابقة التي اعتمدت في توزيع المناصب على المحاصصة دون إعارة أي اهتمام للجانب التخصصي فخلفت ما نحن نعاني منه اليوم إضافة إلى فساد البطون التي كانت جائعة المالي الذي استفحل في العراق المستباح وباتت مسألة القضاء عليه ضرب من الخيال باعتراف كل المسئولين في الخط السياسي الأول وما دونه ولا متضرر إلا عامة الشعب البسطاء ممن اعتمد على الدولة في استحصال الخدمات وتحريك الاقتصاد .
من الطبيعي إن الدولة لجأت إلى من يعينها في تجاوز أزمتها الحالية كنتيجة حتمية لتدني أسعار النفط الذي يمثل شريان الحياة في العراق وهذا ما عملت الإدارة الأمريكية عليه حيث جعلت من بلدنا أحادي الاقتصاد فأهملت باقي مقوماته كالزراعة والصناعة المحلية على بساطتها والتي كانت قائمة قبل الاستيلاء الأمريكي على مقدرات بلدنا في محاولة منها للاستفادة من تجربة دول الخليج كسوق استهلاكية في إهمال متعمد منها لكثير من الفوارق , نقول لقد لجأت حكومة الدكتور حيدر ألعبادي إلى الاستعانة بالمنظمات الاقتصادية العالمية كصندوق النقد الدولي لتجاوز محنتها الحالية وهذا بحد ذاته تعميق للازمة لأنها أهملت الخبرات العراقية المتطورة كما أهملت الكوادر التنفيذية المتخصصة في المجال المالي مع أنها قد شخصت مسبقا قسم من أسباب التدهور الذي بلغناه وكان من الأجدر بحكومة السيد حيدر ألعبادي وبالتعاون مع مجلس النواب عقد ندوات للمتخصصين لمناقشة الواقع البائس وسبل المعالجة قبل البدء بمشروع ميزانية عام 2016 .
إن التقشف الذي طالبت به المرجعية الدينية ووجهت باتجاهه حكومة الدكتور حيدر ألعبادي ليس في تخفيض رواتب الموظفين من خلال سلم رواتب تعسفي جديد سيجري تطبيقه قريبا بل بتقليل الفوارق بين مخصصات الدرجات العليا المرتفعة جدا والدرجات الدنيا وتوحيد الرواتب بين الدرجات المتماثلة في الوزارات من جانب أما الجانب الآخر والاهم فليس في تسريح الموظفين وترشيق أعدادهم بل الذهاب بالموظف المناسب إلى المكان المناسب حسب التخصص والقضاء على البطالة المقنعة التي انتشرت في دوائر الدولة عن طريق إعادة تشغيل المصانع التي توقفت وتعرضت آلتها إلى التلف نتيجة التقادم والإهمال المتعمد لا عن طريق الخصخصة والاستثمار الخارجي لأنها تعمق من إفقار الدولة وتسليف إداراتها بقروض يمكن سدادها من فائض أرباح الإنتاج الذي يجب حمايته من منافسة المستورد المشابه له كما إن مسألة التسليف يمكن أن تحل أولا بزيادة ثقة المواطن بالمصارف الحكومية لتشجيع الادخار فيها ولتوفير السيولة النقدية المناسبة يمكن للحكومة بدل طرح سندات الدعم أو اللجوء إلى تقليل الرواتب أو الاقتراض من البنوك الأجنبية بشروط أن تذهب إلى إقرار قانون للتوفير الإجباري بتحديد نسبة معينة لا تزيد عن 5% من راتب كل موظف يدخرها إجباريا في أي مصرف حكومي يختاره ولا يسمح له بسحبها إلا عند تحسن ظرف الدولة وبهذا نحقق هدف تشجيع الادخار والتعود عليه وتوفير سيولة نقدية للدولة تقلل من عمليات بيع العملات الأجنبية وتغنينا عن الاقتراض من الخارج .
إن عمليات إنفاق المبالغ الضخمة وهدر المال العام والبذخ المفرط التي تحصل في دوائر الدولة ونثريات الدرجات الخاصة والاستخدام غير المنصف للحمايات ونفقاتهم واستخدام سيارات الدولة للأغراض الخاصة والنفقات الكمالية والتلاعب بأبواب الصرف خلافا للموازنة ونفقات الضيافات التي حولت ساعات الدوام إلى مضافات اجتماعية خاصة والمهرجانات الاحتفالية والتلاعب بساعات الدوام وتعطيله لأتفه الأسباب ناهيك عن الوظائف التي أصبحنا نسميها هوائية في المجالين المدني والعسكري وغيرها الكثير التي يطول سردها في عقود الدوائر والوزارات كلها عوامل ساهمت بشكل كبير في تدهور الحالة الاقتصادية للعراق والاهم من هذا وذاك فان من امن العقاب أساء ...
مقالات اخرى للكاتب