يدعي المتطرفون الإسلاميون والمنظمات التكفيرية السلفية والأصولية أنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية ويجعلون المجتمعات الإسلامية تعود القهقري إلى العهود القديمة وأفضل تجربة حديثة لهم هي الثورة الإيرانية التي بدأت بمحرمات لا نهاية لها لكنها أخذت تتراجع عما أعلن عنه الخميني، والتجربة الثانية أفغانستان بقيادة طلبان والقاعدة وما جرى من محرمات أيضاً ثم السودان وما أعلنته حكومة البشير بأنها سوف تطبق الشريعة الإسلامية التي كانت عبارة عن خداع أصبح مكشوفاً بعد حين، وهذه الدول العربية والإسلامية تكاد تتشابه تقريباً مما أعلن عنه بعد انتصار الثورة الإيرانية وهيمنة رجال الدين عليها وفي هذه التجارب ثبت فشل التطرف بتطبيق الشريعة مثلما ما كانت عليه في سالف الزمان والمكان في دول سيطر الفكر السلفي والأصولي عليها، إلا أن هذا التوجه لم يختصر على القوى المتطرفة التي هي بالأساس إنتاج الحركات والمنظمات الإسلامية التقليدية العلنية والسرية وما حملته من تناقضات بسبب الرؤيا للواقع الموضوعي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في عصر يختلف تماماً عن عصور الخلافات والولايات الإسلامية، عصر اقل ما يقال عنه عصر التكنلوجيا والاختراعات والاكتشافات العلمية الكبيرة ومحاولات استكشاف الفضاء الخارجي لا يقبل أن يعود إلى الوراء ويرفض الظلامية الفكرية في الممارسة والتفكير وهو يعتمد على الديمقراطية والحريات المدنية اللتان يعتبرهما التطرف الديني معاديتان للشريعة الإسلامية والدين الحنيف، وفي هذا الإطار تنخرط أحزاب الإسلام السياسي تحت صيغ مدنية وتحاول عن طريق الانتخابات استلام السلطة كي تنفذ مشروعها الديني تحت ستار من الشعارات الديماغوغية التي تحاول استغلال الديمقراطية لكي يتقبلها الناس، لكن لا توجد حلول منطقية عادلة للتخفيف عن معاناتهم من شظف العيش والأوضاع المعيشية السيئة والبطالة والفقر وغيرها من متطلبات الحياة الضرورية.
قد يستفسر الكثير من المتلقين عن الأسس التي اعتمدناها حيث توصلنا إلى ذلك، وهذا الاستفسار قد يكون غريباً بعض الشيء على الكثير من المواطنين وهم يرون الحكام يقيمون الصلاة والزكاة ويطلقون البسملة كلما القوا خطابا لا بل هناك العديد من مجالس الوزراء والبرلمانات تفتح جلساتها بالبسملة وتلاوة آيات من القرآن الكريم كما يستمع إلى أكثرية الإذاعات والفضائيات بنشر آذان الصلاة وقراءة آيات من الذكر الحكيم فكيف يمكن الأكثرية من هؤلاء لا يؤمنون بالله ولا يطبقون شريعة الله إلا بالشكل دون المضمون أو يناقضون أصول الدين في الكثير من جوانبه، فمنذ البداية نقول ان العدل أساس المُلك وهو مفهوم جاء في العديد من آيات القرآن والنصوص والسيرة، الحاكم يجب ان يكون عادلاً في كل شيء ويطبق على نفسه الشرائع قبل غيره ليكون قدوة للرعية ، هكذا يعضون رجال الدين والمرجعيات الدينية بدون استثناء، وهم يعلنون وبدون استثناء تقريباً بان واجب المسلم أن يطيع ولي الأمر وهم يضيفون الحكام والمسؤولين إلى اولاياء الأمر، لكن إذا كان أولياء الأمر فاسدون ويحكمون بالنار والحديد ويستغلون الدين وأماكن العبادة للبقاء في كراسي الحكم ولا يهمهم إن طبقوا العدالة أو لم يطبقوها فهو دليل على الاستهتار العلني بمن يقف ويدعي بالدين والتزامه بالشرائع السماوية ، وقد تذكرنا عشرات المواقف التي اتخذت بالابتعاد عن الحاكم الظالم أو الذي يقول شيئاً لكن في التطبيق يناقض ما يقول وأعطى أبو حنيفة النعمان مثالاً على عدم المساهمة في الظلم والقهر فقد رفض أن يقبل منصب عرضه عليه المنصور وهو منصب قاضي القضاة ولقد عذبوه وسجنوه وتعرض للضرب والتعذيب بالسياط لكنه بقى على رفضه لأنه كان لا يريد تحمل المسؤولية في ظل حكم غير عادل والحكام فيه ظالمين وأبو حنيفة النعمان عالم دين معروف في زمانه، أما اليوم فمن منهم لا يهرول للمنصب حتى وان كان الحاكم جلاداً ومجرماً ودكتاتوراً ويضحك على أذقان الناس بحجة الدين والشريعة؟ عندما نحصي أكثرية الحكام في الدول الإسلامية والعربية فلن نجد بمواصفات ما يقال عن التزهد والتعفف والنزاهة والصدق والعدالة بل العكس من ذلك، ولكون لنا تجربة واسعة على امتداد القرن العشرين وهذا هو ربع القرن الواحد والعشرين تقريباً فلن نذكر الأسماء لأن هناك من عاصر أكثرية هذه الحقب واكتشف الحقيقة التي قد تكون في بعض الأحيان مرة، ثم أن التاريخ يسجل والأجيال تتطلع وتفرزنه، لكن العجيب في هذا الأمر أن هناك أحزاب الإسلام السياسي عادت للواجهة تحت تأثيرات الدين أو الشريعة الإسلامية وأصبحت في البعض من الدول هي القائدة لا بالانقلابات العسكرية بل بواسطة الانتخابات ( من يقول هناك تزوير أو تزييف وهذه قضية ثانية ) لكن الحقيقة أظهرت القاعدة الجماهيرية العريضة لهذه الأحزاب ولو قارنا بين خطابها وبين خطاب الحكام السابقين لما وجدنا فرقاً شاسعاً، فالحكام كانوا يعلنون بأنهم يطبقون الشريعة ويحتمون بالدين الإسلامي وباسم الله، وأحزاب الإسلام السياسي يكاد خطابها مطابقاً إلا اللهم أنها تدعي بان الحكام كانوا كذابين يتاجرون بالإسلام وهم أي أحزاب الإسلام السياسي يريدون تصحيح المسار وإقامة العدالة الإسلامية السماوية فيما يخص المواطنين وبخاصة الفقراء والكادحين، لكن العدالة الإسلامية في ظل هذه الظروف المتشعبة داخلياً وخارجياً تبدو غير ممكنة التحقيق لأن الزمان غير الزمان والمكان غير المكان وهذا لا يعني أننا نريد تشويه التطبيق الذي تعد به الحركات وأحزاب الإسلام السياسي وكأنهم سوف يقيمون الجنة على الأرض بعد استلام السلطة، إلا أننا في الوقت نفسه نتمنى أن لا يكون التضليل على أساس الحجة تبرر الوسيلة ولأننا نعرف جيداً إن تطبيق الشريعة ليس بالأمر السهل والممكن وهي ليست بالشعارات تطلق كيفما يتفق من اجل كسب سياسي نتيجتها الفشل وعدم التطبيق، وعلى ما نعتقد أن خوض التجربة بالنسبة لهؤلاء سوف يكلفهم الكثير ولكن ليس بقدر ما يصيب أكثرية الناس من مشاكل وتعقيدات وتضحيات تصل في البعض منها إلى سيل الدماء، وهم لو يتخذوا مثالاً لهم الحقب التاريخية ومنذ تأسيس الدولة الأموية وحتى نهاية الدولة العثمانية وكذلك التجربة الإيرانية وقبلها السعودية ثم التجربة السودانية والبعض من الدول لوجدوا أن تطبيق الشريعة بالطريقة القديمة سوف لن يكتب لها النجاح ولا بد أن توازن في علاقتها ما بين ما هو روحي وبين ما هو مادي وبهذا تكون قد ابتعدت عن تحقيق الدولة الإسلامية حسب المفهوم السلفي والأصولي، وقد تتناصف مع الدولة المدنية إضافة إلى أن الصعوبات في تطبيق الشريعة هي كيف يمكن تقسيم الثروة بشكل عادل ومسالة تواجد الأديان الأخرى والتعامل معهم وبخاصة فيما يخص الجزية وحول حقوق المرأة وعملها وعلاقتها بالسياسة ثم سن القوانين والعقوبات في قضايا عديدة منها السرقة أو الزنى وغيرها من قضايا أمر الله بها وهي واضحة لا يمكن تبديلها إذا أريد فعلاً تطبيق الشريعة، ولهذا هناك صعوبات وتعقيدات لا حصر لها في التطبيق وان أحزاب الإسلام السياسي تعي ذلك جيداً وتعرف إن ادعاءات العودة للسلف الصالح وإعادة عجلة التاريخ عبارة عن احتماء خلف ستار الدين والعمل على استغلاله لكي تحظى بتأييد جماهير واسعة إضافة إلى الوعود الدنيوية بتحقيق المساواة والعدالة وردم الفوارق بين الفقراء والأغنياء والعمل على تحسين أوضاع الفقراء وتقليص الفقر بينهم ووعود بالجنة التي سوف يدخلها من التزم بفتاوى رجال الدين القريبين من هذه الأحزاب والبعيدين عن الواقع الموضوعي والذين يختلفون فيما يخص الرأي القائل بفصل الدين عن السياسة وذلك لا يعني البتة الخروج عن الدين الإسلامي أو أي دين بل العكس من ذلك وضع الدين في موقعه الصحيح واحترام المرجعيات والمؤسسات الدينية وإبعادها عن الدولة السياسية التي لا يسمح لها باستغلال الدين والشريعة في الهيمنة والسيطرة وإقامة الدولة الإرهابية التي تعاقب المواطنين أفرادا وجماعات لمجرد الاختلاف بالرأي أو المعارضة لها والاتهام بالكفر والإلحاد .
إذن وبكل صراحة نجد أن الديمقراطية هي الحل الأمثل لقيام الدولة المدنية التي لا تقمع فيها الحريات وتحترم فيها عقائد المواطنين وأديانهم وأيدلوجياتهم وأفكارهم ومن خلالها بالإمكان البناء والتقدم على طريق تحقيق مطالبهم السياسية والاقتصادية والمعيشية بدون أية ضغوطات أو تهديدات ، واعتماد المواطنة لجميع المكونات هي السند الأساسي لتبادل السلطة سلمياً وإبعاد شبح الدكتاتورية من العودة إلى قيادة السلطة السياسية وإخضاع المجتمع تحت طائلة الدين والشريعة لكلا الطرفين من ناحية ومن ناحية ثانية القوانين الوضعية وحسب المصالح السياسية وبهذا يخلق الإشكال التاريخي الذي نتج عنه تناقض أدى في كثير من الأحيان إلى الاحتقان وتهديد السلم الاجتماعي في المجتمعات المتعددة الأديان والقوميات والأعراق.
مقالات اخرى للكاتب