كثيراً مانسمع من المسؤولين قولاً غريباً عندما يصرحون بان العراق الآن يحارب الإرهاب وان محاربة الفساد المالي والإداري يعد امراً ثانوياً وان الحكومة الآن تعيش هاجس الخوف والذي يشغلها على الدوام ، فمتى ماتفرغت من ذلك سوف توجه كل إمكانياتها ( طاقتها ) لمحاربة الفساد ، ولكن لايعلمون ( وبالفصيح يغضون النظر ) بان خطر الفساد الإداري والمالي في أجهزة الدولة كافة لايقل عن خطر الإرهاب فكلاهما مستتران في الحرب على الدولة بل أن خطر الأول قد تجاوز خطر الثاني لأنه مرض مزمن إذا ترك ، وقد سقطت في التاريخ دول يحسب لها ألف حساب في فن الإدارة والمال بسبب وجوده في كيانها ، ولانستثني بأن بعض الأحزاب التي لها دور ( ضلع ) في هذا الفساد المستشري من خلال قيامها بغسل الأموال بسبب تربعها على بعض الوزارات السيادية ( الدجاجة التي تبيض ذهباً يومياً ) والتي وجدت في هذه الوزارات مرتعاً بل وكراً يشبعون من خلالها رغباتهم في العدوان على المال العام سلوكاً ومنهجاً وان هذه الأموال القذرة (الملوثة ) يودعونها بعمليات معقدة في صورة إيداع وسحب وتحويل واستبدال وتجزئتها على أكثر من بنك في الداخل والخارج ، وأنهم على يقين بأن هذا الفساد يقوض النسيج الاجتماعي ويؤثر على جميع الطبقات الاجتماعية ،ولكنهم لايعبهون بنا ولقد شردوا الشعب والنتيجة شعب مقهور وفقير لايخافون الله حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم ( أنهم ركبوا سفينة محكوم عليها بالغرق ) لأنهم يسعون فقط لإثراء أنفسهم وجمع المزيد من المال ، لذلك يلجئون دوماً إلى إصدار الحجج بان هدفهم الأول والأخير وخصوصاً في هذه المرحلة هو محاربة الإرهاب ، أما آفة الفساد فهو مؤجل لحين ما يكتفون من اكتناز الأموال التي تؤمن مستقبل أحفاد أحفادهم ( من السحت الحرام ) أما هذا الشعب المغلوب على أمره فليذهب إلى الجحيم ، وان السكوت الفعلي على الفساد بهذه الحجة يدل على وجود سبب حقيقي هو تورطهم فيه وخوفهم من فضح أمرهم (علماً انه ليس هناك شيء يخفي سوأتهم ) ، وفي هذا الإطار يمكن فهم أوامر منع التحقيق التي يصدرها قسم من المسؤولين التنفيذيين إلى هيئة النزاهة في بعض ملفات الفساد التي تتعلق بمسؤولين محسوبين على المسؤول الكبير ، بينما الصحيح أن يقوم المسؤول أو السياسي بنفسه بتقديم الفاسدين المحيطين به أو المحسوبين عليه الى هيئة النزاهة ويعلن علناً قطع صلته بهم ليثبت انه بريء من الفساد الذي يجري في دائرته ، وليثبت على اقل تقدير أن كتلته السياسية ليست مأوى للفاسدين ، وأن شريحته السياسية تكافح الفساد ولو كان المفسد منها ( أليس هذا هو العدل والانصاف ) وفي هذا مكسب سياسي حقيقي لكتلته السياسية وإحراج للكتل الأخرى التي تضطر لتحذو حذوه فتكافح الفاسدين الموجودين فيها وهكذا تسري حركة مكافحة الفساد وتشكل مقياساً ومناقبيه للعمل الحكومي من قبل السياسيين الذين يريدون كسب التأييد الشعبي لقوائمهم أو كتلهم أو شرائحهم أو إيديولوجياتهم .
مقالات اخرى للكاتب