أحد عشر لاعباً، بل أحد عشر كوكباً. لم تفرّقهم الأديان، ولا الطوائف، ولا القوميات. لا خطوط الطول، ولا خطوط العرض. ليس بينهم أقلية، ولا أكثرية. لا شرقية، ولا غربية. يضيئون في زمن العتمة والخوف وجوهنا، وتتناثر من حولهم الزهور، والقبلات، والأغاريد.
يكتشفون بحوراً شعرية جديدة لم يكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، فيكتبون لنا قطعة جميلة من الشعر المنثور، والنثر المموسق. وإذ يصبح الحزن مُشاعاً بين العراقيين، فإنهم يطلعون فرحاً في ذروة الفجيعة، وينتزعون الدموع من عيونهم لتصبح ابتسامات ومواكب عرس.
تسعون دقيقة يصبح العراق عشيرة واحدة. عائلة واحدة. بيتاً واحداً. نتأكد أن العشاق أكثر من القتلة، وأن أحد عشر بطلاً عراقياً قادرون على كتابة اسم العراق بالخط الكوفي مليون مرة.
ناداهم الوطن فاستجابوا، فلا أقاليم ولا طوائف ولا مكونات. وتلاقيا دجلة والفرات يلتفان سوراً وسورة على خصر شط العرب، ويتلون من الآيات البيّنات: بسم الله الرحمن الرحيم.
في كل مرة تفرّقنا اختلافات السياسيين وتوحدنا أقدام اللاعبين. فنجبر الخواطر، ونسمو فوق الجراح. نصبح فريقاً عراقياً واحداً من جميع ألوان الطيف، كأننا نعيش قصة وجد وغرام فيها: الموعد، واللهفة، والانتظار، واللقاء، والاشتياق، والدموع أيضاً.
للشاعر الانكليزي (شيللر) قصيدة يقول في أبياتها: (انهض بجسارة بجناحين، وحلّق فوق عصرك). وفي كل مرة ينهض العراقي من كبوته ورماده، ليقتحم عنان الكون بجناحين من ألق وكبرياء.
بعيداً عن نتيجة المباراة المرتقبة هذا اليوم بين منتخبنا الوطني بكرة القدم ونظيره الكوري الجنوبي في أمم آسيا. لا بد من وقفة بالتحية والاعتزاز لكل لاعب من هؤلاء الميامين، وهم يعيدون لنا في كل مباراة صحتنا النفسية، وشجاعتنا الأدبية، وروحنا الوطنية، فيكتبون بأقدامهم ملحمة بابلية خالدة لم تستطع أن تكتبها جميع دواوين الشعر.
إنهم أحد عشر كوكباً تتصاغر أمامهم القامات والهامات والألقاب والرتب. تغدو الأرض تحت أقدامهم شقائق نعمان. لأنهم يدركون أن هذه الأرض المقدسة التي نبتت أنبياء وأولياء وشهداء تبقى فوّارة بالمحبة. فيجمعون حروف اسمها الأربع، ويطرّزونه على الحواشي من شغاف القلب: العراق.
مقالات اخرى للكاتب