عانى الشعب العراقي طيلة عام 2014 والأن ينتهي الشهر الأول من عام 2015 ، من حصار اقتصادي يقتصد فيه القطاع العام ويموت فيه القطاع الخاص بدون ان يحسم موضوع الميزانية .
وقد ذهبت موازنة العام 2014 ادراج الرياح ولم يعد احد يذكر ان برلمانيين تعاقبا على مناقشة اقرارها دون جدوى ثم بدأ ينظر البرلمان الجديد لميزانية العام الجديد دون اي ذكر للميزانية السابقة فيما يعيش الشعب حصار وكبت نفسي من جراء ذلك .
اخطاء كبيرة تستمر فيها البلاد :
لقد تصرفنا ومنذ العام 2003 بالبلاد كالذي يقود سيارة دون معرفة بالقيادة لن يحصد سوى الحوادث ،وهذا ما حصل فنحن مستمرون بديمقراطية بول بريمر التي لم تجلب لنا غير المحاصصة وتصارع الكتل الذي تعافت على فتات هذه الديمقراطية ،واصبح التصارع على موارد البلاد جهرة وبصورة رسمية ينشد مصالح فئوية دون مصالح البلاد الموحدة ،وبعد ان اصبحت مسميات التقسيم لاتخجل مطلقيها اصبحنا نسمع الدعوات للأقاليم بكثرة ثم بدأنا نسمع كل محافظة في العراق تريد اقليم ومن يدري فقد نرى الأسوء من ذلك اذ قد نرى رايات عشائرية تنادي بالأقاليم والمطالبة بحصصها الشخصية في ثروات البلاد مادامت هي من تحمل اغلب شخصيات الحكومة الى سدة الحكم في الأنتخابات البريمرية ،وهذا ما يحصل فعلا ً في العراق اليوم بسبب عجز الحكومات المتعاقبة وغياب اي تخطيط مستقبلي وان وجدت بعض المشاريع فتنفيذها يكون سيئا ً ومحاط بهالة من الفساد المالي والأداري ، مما ولد حالة يأس من أي قرارات حكيمة تخدم عموم البلاد .
خطأ أعتماد الميزانية على النفط
يعتمد اغلب بلدان العرب النفطية وخاصة العراق على النفط في نفقات الميزانية العامة للبلاد ،ومع ان ايرادات النفط هي ايرادات جيدة تعتمد على القدرة الأنتاجية للبلد من الحقول المتوفرة غير ان من الخطأ الأعتماد الكلي عليها للعديد من الأسباب الموضوعية ،التي انتبهت لها أغلب الدول النفطية وبدأت معالجات أختلفت وفق أجتهاداتها المختلفة وما اشار عليها خبراء الأقتصاد في هذا المجال ،غير ان العراق لايزال غير مهتما ً في هذا الجانب و موغلا ً بالأعتماد الكلي على النفط .
ولو أستثنينا موضوع ان النفط مادة محددة بعمر ووقت نضوب ،فأن هناك مخاطر أخرى لاتقل أهمية ً ،لقد خدمت الظروف العراق بصورة غير متوقعة ولكن استغلالها لم يكن بنفس المستوى ، فقد ارتفع الأنتاج النفطي بشكل متصاعد منذ العام 2003 ففي وقت كان لايتجاوز 1.4 مليون برميل في اليوم ، أصبح في العام 2011 يبلغ 2.1 مليون برميل يوميا ً ومن المتوقع ان يصل الى 3,5 مليون برميل هذا العام،وليس هذا فحسب بل ان ذلك التصاعد في الكم رافقه تصاعد في سعر البرميل ففي وقت كان سعر برميل نفط البصرة يبلغ 23.32 دولار فأنه قفز قفزات كبيرة حتى بلغ 106.17 دولار عام 2011 ،ووصل الى 148 دولار في بعض الفترات ،وهذا أعطى مرونة واسعة للتوسع بالميزانية الى ارقام كبيرة فمن 6.1 مليار دولار أصبحت عام 2013 ميزانية ضخمة زادت على 118 مليار دولار ،لو استغلت بالصورة المثلى لكانت قد اوجدت فروق كبيرة بارزة على بناء واعمار العراق وعلى رفاهية شعبه .
ولكن هل تبقى الظروف والمتغييرات الدولية تخدم العراق على هذه الشاكلة الى الأبد ،طبعا ً من غير المنطقي ان نقول هذا ،وهذا ما يحصل اليوم عندما انخفضت اسعار النفط بنسب تزيد عن 50% فيما لايزال برلماننا العتيد يناقش الموازنة ،إذ اصبح في حيرة مع الأرقام التي كان قد ثبتها للميزانية اعتمادا ً على الأسعار المرتفعة السابقة .
ان تأخر الموازنة هو موت كامل للبلاد بكل انشطتها الأقتصادية والعمرانية والخدمية ، ما تعلق منها بالقطاع العام او القطاع الخاص ، كما ان بلدا ً مثل العراق تعرض الى تدمير شامل وهد لكل البنى التحتية ،هو بأحوج مايكون الى كسب الوقت والجهد والمال واستغلال الفرص المتاحة لأجل البناء واعادة الأعمار ،وان هذا الأمر يدركه السادة البرلمانيون وكتلهم اللاعبة في الساحة العراقية اليوم أكثر من غيرهم ، اذن يتبادر الى الأذهان السؤال الكبير والمحيير : لماذا اذن يحدث كل هذا التأخير المتعمد ؟
مقالات اخرى للكاتب