صحوت من النوم مبكراً رغم ان اليوم عطلة ورحت اركض على الشباك وقلت في نفسي (الحمدلله كان حلماً ) اعادني ذلك الحلم الى 13 سنة مضت عندما كنت اسكن في بغداد في العامرية وجميع افراد اسرتي يعيشون معي في بيت واحد كان والدي الله يرحمه يتابع الاخبار السياسية ويترقب مايحدث وكنا جميعا لانعرف ماذا سيحصل هل ستحدث حرب ؟ هل يستسلم رئيسنا انذاك صدام حسين ؟ هل ستيأس امريكا وتتركنا ؟ كل شي في البلاد غريب ومابين فرحة بعض الناس بالتغيير القادم وغضب البعض الاخر مما سيحدث ومن سيتحكم في مصيرنا ؟ كان ابي محتاراً في امره لايدري ماذا يفعل ؟ خاصةً وان اغلب من حولنا قرروا الذهاب الى المحافظات كانت منطقتنا تبدو خالية من سكانها وكان الجو مترباً ومصير البلد اصبح مجهولاً والتلفزيون يبث خطابات واغاني وطنية والمدارس توقفت تقريبا وتحولت الى معسكرات وتوقفت عن الذهاب الى الجامعة ولم نفكر في الذهاب الى اي محافظة لأننا لانعرف احدا في المحافظات ولم نحضر انفسنا للذهاب الى مكان بعيد لانعرف شيئا عن ظروفه واجتمع ابي بنا في غرفة الجلوس واخبرنا اننا يجب ان نغادر هذا البيت لأن المنطقة قريبة من معسكر ابو غريب من جهة وكلية الاركان من جهة اخرى وان هناك بيتاً في المنصور/ حي دراغ متروك لاحد اقرباء عمي نستطيع ان نذهب اليه ونأخذ معنا حاجات تكفينا لأيام قليلة حتى تهدأ الاوضاع ونعود للبيت وذهبنا للمنصور وكان البيت قريبا لبيت عمي واحد اصدقاء أبي وكانت الكهرباء مقطوعة والماء موجود في الحديقة فقط في البداية قمنا بتنظيف البيت وترتيب الفرش في غرفتين للنوم وبعد ذلك حضرنا العشاء وكان بطاطا وبيض مسلوق لان لم يكن لدينا شيء اخر وفي الصباح ذهب ابي للتسوق وكانت الاسواق شحيحة والخضروات الموجودة قديمة وبقيت مشكلة الصمون لان الافران مزدحمة بشكل غير طبيعي ونحن عائلة كبيرة ثلاثة اخوة وانا وامي وابي وجدتي وعمتي فاخذني ابي انا واخي الكبير لنقف عند احد الافران ننتظر دورنا واخذ اخوتي للوقوف في فرن اخر لينتظروا دورهم وكان بيت عمي وصديق ابي يمدونا بالخبز وبعض الخضر والفاكهة والرز ومرت الايام بصعوبة وسمعنا اصوات طلقات وطائرات وضرباً وقصفاً وكنا نسمع الاخبار من الراديو الذي اعلن ان الحرب قد بدأت والجيش العراقي يتراجع والمقاومة شبه معدومة وتصريحات الصحاف تقول ان الامريكان العلوج يهزمون ونحن على ابواب النصر . وبعد ان امضينا عشرة ايام قرر ابي ان نعود الى بيتنا وكل شيء يعود الى مكانه بعد ان سمع من اصدقائه والجيران ان الوضع في العامرية مستقر كل هذا الذي مضى حدث وعشته فعلاً لكن نهاية الحلم هي التي افزعتني حقاً عندما عدنا الى البيت لم نجد شيئاً كأن عصابة دخلت سرقت منه كل شيء وحتى الزرع في الحديقة مقلوع لم يرحموا بابا او نافذة او اسلاكاً او ملابس او اجهزة حتى ادوات المطبخ البسيطة والاسرة والفرش والكراسي والسجاد والدواليب واللوحات والكتب .. كل شيء مسروق والبيت لم يبق منه الا جدران وسقف والاغراض التي اخذناها معنا الى المنصور وقررنا ان نبدأ من الصفر وعندها صحوت من النوم مذعورة . اصبح عندي هاجس من كثرة التنقل وشراء اغراض البيت والبدء من جديد والاصعب ان اشعر ان بيتي الذي اتمنى ان اعود له يوماً قد تم تدميره وسرقته ولم يبق فيه شئ من ذكريات الماضي .
مقالات اخرى للكاتب