لم يحظ أي ملف عراقي ساخن بهذا الكم من التناقضات من التهويل والتهوين واللامبالاة والتعظيم والقلق الزائد عن حده او العكس من ذلك مثلما حظي ملف سد الموصل وبعد ان تضاربت الأنباء حول احتمالية انهياره ـ لاسمح الله ـ فان وجود نسبة ولو كانت ضئيلة كواحد بالألف او حتى واحد بالمليون، فان تحققها وفي هذا الظرف العصيب الذي يمر به العراق اقتصاديا وامنيا فان ذلك كفيل بتقويض ماتبقى من العراق كدولة ومرتكزات وثروة بشرية وبما لايقل توصيفا عن أية كارثة بيئية عظمى تلحق بالدول المتاخمة لأحزمة الزلازل والأعاصير والتسوناميات المدمرة وحتى وان كانت هذه التهويلات والتخويفات مجرد دعايات “رخيصة” او إشاعات مغرضة يراد منها تشتيت “جهود” الدولة التي تخوض حالة حرب ضروس، البلبلة وإشاعة جو الرعب بسيناريو قد يكون مفبركا عن تسونامي “هائل” يكتسح مدنا بأكملها ومنها بغداد فأشارت تلك التخويفات أن البداية ستكون في الموصل بارتفاع 25 مترا ثم يستمر الانهيار باتجاه صلاح الدين وسامراء بحيث يصل إلى بغداد في غضون أربعة أيام ، وسبق التحذير من إمكانية انهيار سد الموصل في حال عدم الحرص على تدعيم أساساته وان المحافظات الجنوبية ومنها البصرة لن تكون بمنأى عن مخاطر جسيمة، وذلك في حالة تعرض السد إلى مخاطر الانهيار يحدث في حال ارتفع المنسوب الخزني إلى أكثر من319 مترا. فان تلك الإشاعات سواء صدقت ام لم تصدق بغض النظر عن نوايا مطلقيها
ـ في حالة كونها مجرد إشاعات ـ فانه يجب الالتفات بشيء من الجدية إليها لاسيما وان السد مازال يعاني ومنذ أكثر من عقد من حدوث شروخ فيه كونه أقيم على ارض طباشيرية غير ملائمة لإنشاء سد عملاق كسد الموصل الذي يعد رابع اكبر سد في الشرق الأوسط ومازالت أعمال “الحقن” الخرساني تزرقها اليات ومضخات ضخمة وقوية جدًا تتحرك في رواق خاص (غاليري) داخل جسم السد لهذه الشروخ خوفا من اتساعها مايؤدي الى انهياره في أي لحظة كما أكد خبراء أمريكان بذلك يضاف الى ذلك ان السد بقي لفترة شهور بيد داعش فلم تتم عملية الصيانة لهذا السبب ولم يُعرف السبب حتى الان لمَ لم يستغل تنظيم داعش مسالة انهيار هذا السد ضمن سيناريو حربه ضد العراقيين وكان بمقدوره ان يفعل ذلك !!
والمريب في الأمر ان تضارب الآراء والأنباء حول هذا السد اتخذ أكثر من منحى متباين فتارة تؤكد تلك الأنباء والآراء على انه لاخوف محتمل إطلاقا من انهيار السد وانه لم يستوعب حتى الان طاقته الخزنية فبحيرة السد بطول50 كم وتغطي مساحة من الأرض تبلغ 228 كم2 وارتفاعه110 م وعرضه من الأسفل 130 مترا ومن القسم العلوي 25 مترا وطوله 6,3 كم وحجم التخزين في بحيرة السد يبلغ نحو 12 مليار متر مكعب، وان ما يشاع في وسائل الإعلام مجرد “تهويمات ” يراد منها إشغال الرأي العام لدولة تعيش في حالة حرب والهدف هو ضعضعة معنويات الجبهة الداخلية وخلخلة ثقة الناس في الحكومة وصرف الجهود الحكومية تجاه “خطر” غير موجود إلا في مخيلة مروجي تلك التهويمات او غير محتمل أساسا فلاداعي للخوف وبحسب وزير الموارد المائية فان الوضع في سد الموصل “مطمئن”. وكمعلومة ان سد الموصل الذي أنشئ في زمن حكم صدام حسين بالضد من توصيات الاستشاريين الذين نصحوا بعدم إنشائه على أرضية جبسية يعد خزاناً عملاقاً لاحتياط المياه في العراق، ويشكّل مصدراً مهماً من مصادر توليد الكهرباء النظيفة يستفاد منها في توليد 750 ميغاواطا من الكهرباء النظيفة والرخيصة .ويسهم في زيادة رقعة الأراضي المزروعة كما يُعد معلماً سياحياً مهماً.
تقابلها آراء وأنباء أخرى “تؤكد” ان الانهيار وشيك في أية لحظة وعلى السكان القاطنين في حوض نهر دجلة الابتعاد عن مجرى النهر لعدة كيلومترات بحسب التعليمات التي أصدرتها الحكومة يرادفها سعي وزارة الموارد المائية الى تكليف شركة (تريفي) الايطالية لغرض الصيانة وهذا التكليف بحد ذاته يعيد الى الأذهان الخطورة المحتملة لانهيار هذا السد وان كانت بنسبة بسيطة جدا أو لخطر ما محتمل .
وبسبب هذا التضارب في الآراء دخلت المناكفات السياسية والحزبية على الخط فمنها من اعتبر الخطر الذي قد يكون محتملا او وشيكا جزءا من الإهمال الحكومي الذي يحسب دائما على حزب او طائفة المسؤول المعني حاله حال بقية المرافق الحكومية التي لقيت إهمالا وبنسب متفاوتة ولأسباب شتى يأتي الفساد المالي والإداري المستشري على رأسها والبعض الآخر اعتبرها لعبة أمريكية بعد ان حذرت وزارة الخارجية الأمريكية، في وقت سابق من مطلع هذا العام من انهيار سد الموصل إذا لم تتوافر الموارد المطلوبة، وبينت أن مئات الآلاف من الأشخاص ربما يصبحون من دون مأوى من جراء انهيار السد وبحسب حمولات نظرية المؤامرة بالمقابل لم نجد رأيا حكوميا واحدا أشار الى خطورة الوضع على المرتكزات والشواخص التحتية والموارد البشرية في الأماكن التي يغمرها فيضان الســــــــد في حالة انهياره وبما يفوق مقدرة الحكومة العراقية التي تعاني أساسا من أزمة مالية خانقة وسيكون الانهيار كارثة شاملة على جميع الصعد البشرية والعمرانية والاقتصادية والزراعية والمالية وغيرها .
وكان يفترض بالبرلمان العراقي ممثلا بلجنة البيئة أن يتواصل مع الجهات التنفيذية في الحكومة والمعنية بالأمر كوزارة الموارد المائية التي سارعت الى نفي حدوث الانهيار و”طمأنت” المواطن العراقي بان لاخوف محتملا من الانهيار وأقول وحتى وان كان الأمر صحيحا كان يجب على الحكومة ان تضع هذا المواطن أمام الأمر الواقع وتدلي ببيانات صحيحة وحقيقية وموثقة بالصور والأرقام عن وضع السد سواء أكان يبشر بخير او لايبشر بذلك كي لا تدع مجالا للإشاعات والأخبار التضخيمية او الكاذبة التي تستند على مزاج هذه الوسيلة الإعلامية او تلك او تُترك المسالة لأمزجة غير المختصين ولكي تقطع دابر المتصيدين بالماء العكر وهذا لم يحدث .
مقالات اخرى للكاتب