في مثل هذه الأيام من عام 2004 انطلق بث قناة الحرة-عراق بعد شهرين من بدء بث قناة الحرة العامة. كنت قَدِمتُ من العاصمة التشيكية (براغ) في شباط من ذلك العام حيث كنت أعمل في إذاعة العراق الحرّ، جزء من مؤسسة أوروبا الحرة التي تبث بأكثر من أربعين لغة، تلك الإذاعة التي قدمت خدمة كبيرة للداخل العراقي عبر ضخ معلومات ومتابعات لم يدع الحصار الإعلامي الرسمي مجالاً لوصولها عبر المحطات الإذاعية أو التلفزيونية أو الإنترنت.
قبل نهاية العام 2003 اتصل بي صديقي معاون المدير العام في مؤسة الحرة الإعلامي موفق حرب يدعوني الى القدوم الى واشنطن لتشكيل بث خاص بالعراق في الحرة. طمأنني بان لا تدخّل في عملي من أي جهة، بل ان المحطة ستكون مهمتها دعم الديمقراطية في العراق وهو ما لا يختلف عليه أي من مؤيدي العملية السياسية الجديدة.
فور وصولي بدأت بتجميع الكادر المطلوب. اشترطت أن يكونوا عراقيين من المحرر الى المذيع والمقدم، هكذا يكون لخطاب المحطة تأثير كبير على المتلقي العراقي. قدّمنا، أنا والكادر الذي جاء من كل حدب وصوب وفق معيار المهنية فقط خطاباً مهنياً، استطاع جذب المتلقين من كل الميول والانتماءات.
ابتدأنا بنشرة أخبار جامعة شاملة (العراق اليوم) كانت الاولى من نوعها في العراق آنذاك شكلاً ومضموناً وخطاباً. مضمون يشمل كل شي من السياسي وحتى الرياضي والفني مروراً بالاقتصادي والاجتماعي، وخطاب ليبرالي موضوعي يتناول الأحداث من كافة جوانبها من دون اجتزاء. بعدها بدأت في ايار برنامج"حديث النهرين" توالت بعده البرامج الواحد تلو الآخر من واشنطن ومكتب بغداد الذي بلغ عدد العاملين فيه ضعف من هو في المركز . لم يفارق بعضهم سلوكاً يبدو انه إعتاد ممارسته سابقاً، فتفشى المرض العراقي نفاقاً وطعناً بالظهر واتهاماً لهذا وذاك، ساعدتهم في ذلك، بيئة إدارية جديدة عوّضت عن ضعف مهنيتها، بتشجيع التقارير والوشايات، فتحوّلت المحطة مؤسسة أمنية وبات من الصعب الاستمرار فيها خصوصاً بعدما ضاق هامش الحرية التي لا إعلام حقيقي بدونها، فاخترت الانسحاب بعد ست سنوات من التأسيس والعمل، برصيد يبلغ 600 ساعة من المقابلات والبرامج الحوارية، وإنجاز أفخر بأنني قدمته لخدمة أهلي وبلدي، رغم الطعنات التي كنت أتلقاها من كل صوب والتي سيأتي وقتٌ للحديث عنها بالتفصيل.
مقالات اخرى للكاتب