غياب المعارضة في البرلمان يجعل التوافق هو المبدأ السائد في العمل النيابي ، وتتغلب فيه المصلحة الذاتية الضيقة على المصلحة العليا ... وهو الذي يحدد اتجاهات قراراته ، فيناقش هذه ، ويبتعد عن تلك ، فيبحث ما متفق عليه ، ويؤجل ما فيه خلاف بين مكونات المجلس ، فيكون على حساب مشاريع مهمة لا ترى النور، رغم اهميتها لعدم حصول توافق عليها.. كما يجعل هذا المبدأ رؤساء الاحزاب أو الكتل هم المتحكمون في المجلس وقراراته وهم خارج قبته ، وان كانت اصوات ممثليها عالية في المناقشات .. وبهذا المبدأ ايضا تكون الاحزاب قد استحوذت على السلطة والمعارضة معا ..وهذا ما لا تجيزه الديمقراطية ... واذا ما حصل اخفاق ، او تراجع في تجربة ما ، فلا يجوز ان تُلعن الديمقراطية ، أوتُتَهم بعدم صلاحيتها ، ، لأن أنظمة رفعت هذا ( الشعار) ، وفشلت في تنفيذ وعودها ، وصدق تمثيل شعوبها وتحقيق مطالبها ، وبناء أوطانها ، فيقال انها ( تصلح لشعوب ، ولا تصلح لغيرها ).. وبمراجعة بسيطة لعمل مجلس النواب... هناك من يتساءل ...هل يمكن أن يحقق المجلس ما يحتاجه المواطن والبلاد بعد استئناف عمله ، خلال ما تبقى من عمر الدورة البرلمانية بعد أن إستنفد ما مضى من عمره بالخلافات ومناقشة قضايا لم تكن في صميم التطور المطلوب ، ولم يكن لها انعكاس مباشر وقوي في تحسين وضع البلاد الاقتصادي وزيادة الانتاج وتحسين الخدمات ، ورفع المستوى المعاشي للشعب الخ من قضايا جوهرية ..؟
فمثل هذا التصور قد يكون صعبا دون تشكيل كتلة معارضة حقيقية خالصة ، عابرة للمحاصصة الطائفية ، ناهيك عن مضي نصف عمر الدورة البرلمانية ..
أن الفشل في أي تجربة لا تتحمله الديمقراطية ، وانما الناخب في حالة عدم استخدام حقه في اختيار الافضل والانسب لاسباب من بينها التثقيف الخاطيء ، أوالفساد في شراء الاصوات في الحملات الانتخابية ، أو في استغلال البعض لشعارات تستهوي مكون معين او جماعة معينة .. وقد تعطي العذر للناخب في المرة الاولى لان الشعارات ليست (عينات مختبرية ) تحلل في مختبرات خاصة فيكتشف المواطن صدق من يرفعها ، لكنه يتحمل المسؤولية في المرة الثانية عندما يقع في الخطأ نفسه ... و الديمقراطية لا تنتهي عند حدود ( الصندوق والصوت ) ..بل هي اسلوب حياة يمتحن بالعمل ، ومبادىء تظهر قيمتها في التجربة والتطبيق ، وما اذا كانت البرامج صادقة أو لاغراض انتخابية ، وما اذا كان الصوت ذهب لمستحقه ، أم لا ، او كان سلعة تباع وتشترى ... وبالتالي فان الخلل ليس في ( الصندوق ) ، بل في الورقة التي يودعها الناخب فيه ، أي في الاختيار وعدم تقدير الناخب لقيمة صوته وما ستترتب عليه من نتائج للبلاد .. فالناخب يتحمل مسؤولية اختياره ... وصوته اساس عملية التغيير والاصلاح ، والمعارضة البرلمانية تضمن السير بتلك العملية الى هدفها المطلوب من خلال مهمة الرقابة ، بخلاف الحال عندما تكون كل الاحزاب والكتل ممثلة في الحكومة حيث يضعف الدور الرقابي النيابي لاداء الحكومة وما حققته من برنامجها ، الذي بموجبه منحها البرلمان الثقة... فالديمقراطية ليست أن تتوسع الحكومة لتشمل كل الاحزاب ، او الكتل ، وانما في وجود معارضة برلمانية فاعلة تعزز الدور الرقابي
فتكشف الخلل في الاداء وتؤشر المتحقق وتطالب بانجاز المتبقي ومحاسبة المقصر...
مقالات اخرى للكاتب