ترتكز المنظومة الامنية على مجموعة اسس وقواعد ومفاهيم ونظم عمل مؤسساتي موزع بحسب الحاجات الضرورية الملحة لمعالجة التحدي الداخلي الامني وغير الامني الذي يهدد المجتمع بشتى الصنوف والاشكال ، فاوجدت مؤسسات تعمل ضمن واجبات وزارة الداخلية تعنى بملاحقة الجريمة والارهاب ومكافحة الجريمة الاقتصادية والاصلاح المجتمعي ورصد الحالات الشاذة والمخلة بالامن والنظام على كثر تعددياتها.
وبالرغم من تشعب مهام الوزارة الا انها تمتلك مقوماتها وتاريخها كمؤسسة قائمة منذ نحو مئة عام واستطاعت اعادة ترتيب مهامها بما يتلاءم ويتواكب مع احتياجات المرحلة بعد التغيير في 2003 ? الا ان الجانب السياسي ومساوىء التجربة المحاصصاتية التي وفدت مع المحتل تسببت بافساد العديد من مؤسسات الدولة وعلى مستويات عليا وصولا الى ادنى المستويات ، ولم تكن الوزارة بمنأى عن ذلك فقد اصاب الفساد العديد من مؤسساتها وطرائق تمشية العمل فيها ، والفساد هنا ليس معنيا بالفساد المالي والاداري فحسب وانما ما يرتبط به من فساد قيم واخلاق ومعايير مزدوجة وخيانة امانة وسوء استخدام السلطة والنفاق والنميمة ومحاولات الصعود على اكتاف الاخرين والرشا وابعاد العناصر الكفوءة ومحاربة الواقفين حجر حق بوجه من يريدون التلاعب بالمال العام وغيرها من الحالات الشاذة التي نخرت المؤسسة الامنية طوال سنوات مضت وباتت تركتها الثقيلة مسؤولية ليس من السهل الاضطلاع بها والعمل على تصويبها في ظل المناكفات السياسية المستمرة التي لا تفرق بين امن الدولة والامن العام وامن المواطن والمجتمع وبين التصيد للحصول على المكاسب والمغانم وتشكيل نقاط ضغط للتكسب الرخيص من بعض الطارئين وسياسيي المصادفة ما جعل من عمل وزارة الداخلية متاخرا وباتت اي محاولات اصلاح حقيقية تعد لدى البعض خطوات لضرب مصالحهم الشخصية او الحزبية.
ولعل التحدي الاخر الذي تواجهه الوزارة هو تركة القيادة الموحدة المحصورة بيد شخص وقليل من مقربيه والضرب بعرض الحائط جميع تجارب القيادة الحكيمة ، اذ من المعروف وبحسب الدراسات العلمية والتجارب المهنية الناجحة التي تتفق خطواتها مع اسس الادارة السليمة في مختلف المؤسسات وتنوعاتها هي ان يعطي القائد او المسؤول الاعلى للمؤسسة جزءا كبيرا من صلاحياته الى من يرأسهم سواء شخص ام مجموعة اشخاص رؤساء يرأسون حلقات المؤسسة التي هي الاخرى فيها اقسام ووحدات عمل لكل منها رؤساء فرعيون وهكذا ، ولا تختلف قيادة الامن الداخلي عن هذا المفهوم اذ من المسلمات ان الاداء الامني الضعيف وبحسب تصريحات عدة لقيادات الوزارة السابقة في مدة استيزار جواد البولاني والحالية بقيادة محمد الغبان يتأثر بتعددية القرارات وتشتت وتضارب المسؤوليات والصلاحيات والمرجعيات الامنية والعسكرية ، فبالرغم من الحاح القيادات في الوزارة على ضرورة ان تتسلم الداخلية مسؤولية الامن الداخلي كما هو منصوص عليه بالدستور وتحملها مسؤولية امن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم وصون حقوقهم وحرياتهم الا ان ازمة القيادة المرتبطة بالقائد الاعلى ما تزال تتحكم بمقاليد الامن مع الاشارة الى وجود فوارق كبرى في المرحلة الماضية وما حملته من اخفاقات كنتيجة حتمية للتشبث بوحدة الاوامر والقرارات ، والمرحلة الحالية بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي منح صلاحيات وحرية اكثر لتحرك القيادات الا انها ما تزال غير كافية ، وهذا المنح سواء تأتى من تشكيلة الحكومة والاتفاقات السياسية التي رافقتها ام هو توجه قيادي شخصي فالاثنان تحسبان للعبادي.ولكن هناك العديد من الاستفهامات التي تحتاج الى اجوبة واتخاذ اجراءات سريعة تتواءم وطبيعة المرحلة للحفاظ على الانتصارات وتحقيق المزيد منها على الصعد الامنية الاخرى ، فصحيح هناك داعش والحاجة الى مقارعته والقضاء عليه لكن بالمقابل هناك الجريمة المنظمة التي لا تقل خطورة عن غيرها في تخريب النظام الامني والابقاء على حالة الفوضى وعدم تطبيق القانون بالشكل الذي يلمسه المواطن على ارض الواقع وليس مجرد شعار بان الدولة دولة قانون ومؤسسات.
ان على القيادات العليا ان تمنح وزير الداخلية الصلاحيات التي تمكنه من تحقيق برنامج عمله في تحقيق الامن الداخلي وتضعه امام مسؤولياته كي يضطلع بها ويتمكن من ادواته لرسم منهجية امنية مرتبطة بخطط زمنية معينة لتحقيق ما وعد به الغبان من سحب قوات الجيش من المدن والتقليل من حجم الوجود العسكري ورفع السيطرات الذي يبقي وجودها في الاذهان الصورة القتالية ومظاهر السلاح التي سئمها المجتمع واثرت سلبا على نشأة الاطفال والمراهقين كما انعكست سلبا على ايجاد مزاج متعكر وحالة من العصبية الممزوجة بالخوف والترقب ومحاولة تلافي رجل الامن وما رافقها من خلق فجوة بين الاجهزة الامنية والمجتمع وغيرها من وعود تحقيق التراجع في العمليات الارهابية والجريمة المنظمة وغيرها من الوعود كي يتفرغ القائد العام لقيادة المعركة الكبرى ضد داعش ويستطيع في الوقت نفسه ان يسائل الوزير اذا تأخر في تنفيذ برامجه من دون عوائق خارجة عن امكاناته وليطبق رئيس الحكومة منهاجه في توزيع الصلاحيات لتحقيق مصالح وطنية مشتركة ومتكاملة تحسب لجميع العاملين في المؤسسة الامنية ومغادرة تجربة تجيير المنجزات للشخص الاوحد ولاسيما انها لم تنفع من سبق بالرغم ما اوتوا من قدرات تم بددت.
ان الرأي والمناقشة والتصويب من اجل الخروج بحلول ، و التأشير على مكامن الخلل وابداء المشورة والنصح للرؤساء بهدف الصلاح خير من تمجيد السير بالاتجاه غير الصحيح وتصويره بانه الطريق الاصوب والاسلم لتحقيق النتائج المرجوة ، ولا ننسى ان التفكير في تقديم الخير يحسب لمن يفكر به حتى ان اخفق في بعض الامور فالهدف هو التصويب بالنتيجة.
مقالات اخرى للكاتب