العراق تايمز ــ كتب علي حسين الدهلكي: الصدفة وحدها هي من قادتني لمراجعة احد الأطباء في مدينة الطب .. وياليتها لم تكن لكي لا أرى ما رأت عيني من مشاهد يبكي لها القلب وتدمع لها العين .
فهذه المدينة الشامخة والحيوية تنهار أمام تصرفات وأفعال الجهلة والانتهازيين والمتطفلين على هذه المهنة المقدسة .
فالدخول لهذه المدينة أشبه بالدخول لسجن محصن حيث يتوجب عليك ترك سيارتك في كراج يبعد لمسافة تقدر بحوالي 1,5-2 كم عن المدينة الطبية لتكون أمام خيارين أما أن تكمل هذه المسافة مشيا على الأقدام في لهيب الصيف.
أو أن تنتظر سيارة أجرة مخولة تعمل على نقلك بـ 3 ألاف دينار لمدة 4-5 دقائق ، هذا إذا كنت تقوى على السير للوصول إلى تلك العجلات .
أما إذا كان لديك مريض وحالته خطيرة فعليك انتظار الإسعاف الفوري بعد أن تركن سيارتك في الكراج المشار إليه لعلك تحظى بهذه الإسعاف.. وعندما تسأل عن السبب؟ يأتيك الجواب: إجراءات أمنية !!.
نعم نحن مع جميع الإجراءات التي تحفظ أرواح المواطنين ولكننا نجد بان هذا الإجراءات مبالغ فيها جدا خاصة وان من يرتاد هذه المدينة هم مرضى ليس إلا .
وبعد أن تصل إلى المدينة وتروم الدخول إليها يعترضك منتسب لا اعرف إن كان امني أو تابع لوزارة الصحة وهو يتجادل مع عشرات المواطنين الذين يرومون الدخول وقد يكون هذا الموظف محقا ببعض تصرفاته خصوصا قيامه بمنع زيارة المرضى أثناء الدوام الرسمي .
ولكن ما يعاب على هذا الموظف أسلوبه الذي يفتقد إلى ابسط معايير التعامل الإنساني مع المرضى أو مرافقيهم حيث لا يسمح لك بالخروج لجلب دواء أو تذكرة والعودة مرة أخرى لأنه سيقوم بمنعك من الدخول رغم وجود مريضك داخل القسم الطبي في المستشفى .
والمهزلة انك تضع مريضك في دائرة من دوائر مدينة الطب وتقطع تذكرة لعلاجه من دائرة أخرى تبعد مئات الأمتار، ولا نعرف لماذا لا يكون في كل قسم مكان لقطع التذاكر .
أما المصاعد فهي من اكبر مهازل هذه المدينة حيث يقف العشرات وبمختلف الإصابات المرضية لانتظار حصولهم على مكان بالمصعد لان هنالك مصعدين يعملان من أصل عشرة ، والباقي فهو أما عاطل أو خاص بالمسؤوليين أو عمال الخدمة .
ولا يوجد مصعد للعمليات لان من يخرج من العملية عليه انتظار كرم ولطف المراجعين لإفساح المجال له بالصعود في المصعد ليصل إلى الطابق الذي يرقد فيه .
وبالنسبة للنظافة فحدث ولا حرج ، فعامل النظافة إياك أن تخطأ وتنتقده لأنه سيكون أفعى سامة تلدغك ،وعاملات الخدمة في الطوابق إياك أن تطلب منهن شيئاً لأنهن سوف لا يقمن بالرد عليك وتجاهلك بصورة مهينة .
وسترى إنهن يتعاملن بصلف وعنجهية وقلة ذوق لا مثيل لها، ويمتنعن عن إبداء أي مساعدة ولا اعلم هل يبغين الرشوة من ذلك! أم إنهن مجبولات على هكذا أخلاقيات ؟ وللأمانة ليس جميعهن ولكن النسبة الأغلب منهن .
وبذلك فالحديث عن الروائح والأوساخ وقذارة الأرضيات داخل الغرف والحشرات في الطوابق يعد حديثاً عن كارثة حقيقية تعصف بهذه المدينة رغم توفر الكثير من المبيدات والمعقمات ، ولكن لم يتم استعمالها أما بقصد ، أو بسبب الإهمال وعدم المتابعة وغياب العقاب .
أما مسؤول الطابق فهذا أشبه برجل خارق وفريد عصره ، فهو يمشي في الأرض مرحا مختالا فخورا وعملية التقرب إليه والتعامل معه خطيئة لا تغتفر، وهو متعالي ومتغطرس بدرجة تجعلك تبحث عن سر هذه الشخصية العجيبة ، فهو يتحكم حتى بالأطباء والممرضات بطريقة غريبة رغم كونه خريج متوسطة وبالكاد يفك الخط .
ولكن ما آلمني بشدة هو منظر الأدوية المتروكة في العراء وتعرضها لأشعة الشمس الحارقة ، حيث رأيت المئات من قاني المغذيات التي تعطى للمريض مرمية في العراء وبظروف جوية شديدة الحرارة بالإضافة إلى مئات العلب من أدوية لا اعرف اسمها أو استخدامها ، ولا ادري لماذا تركت في هذا الوضع ومن المسؤول عنها؟ .
وقد وجدت إن الأطباء والنزر القليل من الممرضين والممرضات هم الشريحة الوحيدة التي يمكن الإشادة بها لما يبذلوه من جهود تستحق التقدير والاحترام ، فهم يعملون بتفان وإخلاص وبأسلوب حضاري ولطيف مع المرضى.
وهنا لابد من دعوة المسؤولين عن تلك المدينة الطبية المهمة والحساسة بمراجعة تقييم أدائها ومتابعة ما يجري بها ، وعلى مدير المدينة وكبار مسؤوليها النزول من بروجهم العالية واتخاذ الإجراءات الفورية والحازمة لوقف مهازل مدينة الطب .
وعليهم القيام بتغييرات مهمة وكبيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والعودة بمدينة الطب لعهدها الذهبي الذي فقدت بريقه لأسباب يتمثل اغلبها بالإهمال والفوضى الإدارية وعدم الشعور بالمسؤولية و بالمعاني الكبيرة لقدسية مهنة الطب .
واعتقد إن هذا التغير سوف لا يتحقق ما لم يتم تغيير الكثير من الممرضين والممرضات وعمال الخدمة ومسؤولي الطوابق وبعض الموظفين المتغطرسين المتعجرفين ومدراء الأقسام وبعض الحراس المهملين وأمناء المخازن والمذاخر .
وخلاصة القول إننا لا نهدف من تشخيصنا هذا إلا لتقويم عمل هذه المؤسسة الطبية العملاقة والمهمة التي يرتبط مصير وأرواح ملايين المراجعين بما تقدمه من خدمات طبية .
وإذا ما لا حظنا أي تغيير مهم وايجابي في تلك المدينة فسنكون أول من يشيد به.
كما لا يعني قولنا هذا عدم وجود حالات ايجابية ولكنها للأسف قليلة جدا قياسا بالحالات السلبية .
وعلى المسؤولين أن يتداركوا أمر الفوضى والإهمال بسرعة لأننا سوف لا نتردد عن تشخيص جميع السلبيات .
وسنشير لاحقا إذا ما استمر هذا الوضع المزري إلى جميع المقصرين بالأسماء والعناوين وبدون تردد .