مشكلة العراق القديم والجديد كانت وما زالت في قياداته السياسية والإدارية وليس في شعبه أو أمواله أو خططه أو علاقاته، بل في المتصرفين في شؤونه والحاكمين فيه ، هذه الحقيقة يدركها الجميع بما فيهم القيادات ولكن بعض القيادات مع الأسف لا تحمل نفسها المسؤولية وتحاول أن تلقي بها بأحضان القيادات الأخرى الشريكة لها في السلطة كما يفعل مجلس النواب العراقي مع رئاسة الوزراء، فهناك مغالطة سياسية اخترعها بعض النواب وجاد لعبها بعض أعضائه وهي تحميل مسؤولية كل المسائل السلبية ومعوقات التقدم والبناء على السلطة التنفيذية خصوصا (الحكومة ) وبالأخص رئيس الحكومة نفسه. وينأى أعضاء مجلس النواب بأنفسهم عن تحمل المسؤولية وإلقائها كاملة في رقبة الحكومة متناسين أنهم يتحملون المسئولية قبل الحكومة لأنهم الجهة التشريعية التي تضع السبل والأسس لسير الحكومة وإذا كان هناك مبرر للكتل البرلمانية التي لم تشترك في الحكومة والتمثيل الوزاري فان العذر يكون سيئا جدا لتلك الكتل التي اشتركت في الحكومة خصوصا إذا عرفنا أن رئيس الحكومة العراقية ملزم بأخذ رأي مجلس الوزراء -يعني الوزراء- بما فيهم نواب رئيس الوزراء في إقرار وتنفيذ الشؤون السياسية والإدارية جميعا. وبالتالي، كان من أنكى ما عرفته السياسية العراقية للقوى البرلمانية أنها تلعب بورقتين ورقة الحكومة وورقة المعارضة أي رجل هنا ورجل هناك بتعبير أدق فهي تمثل الحكومة المتفانية في مبنى رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، وتحتل دور المعارضة الوطنية في الإعلام والشارع العراقي في غياب كامل لأي معارضة سلمية من خارج السلطة إلا نادرا ، وهذه المغالطة السياسية المفضوحة لعبتها القوى السياسية الفاعلة ، ولكن بدرجة أقل وبنوايا متباينة، ولكن في النهاية ينتهي عمل هذه القوى إلى نفس النتيجة التي ينتهي إليها بعض النواب وهي كسب المزيد من التأييد الجماهيري في مقابل الحكومة إذن نحن، شعب، ومؤسسات مجتمع مدني، وكتل سياسية آمنا بالنظام السياسي الجديد بحاجة إلى إعادة النظر بالقواعد الدستورية والقانونية والسياسية والإدارية وحتى الاجتماعية منها، تلك القواعد التي إذا بقيت على حالها فستظل المحاصصة الطائفية والعنصرية، وتقاسم النفوذ، والفساد المالي، والإدارات المترهلة، وسوف تبدد كل آمالنا في سلطة ديمقراطية ونظام حكم تعددي وانتخابات حرة نزيهة ، نحن نؤمن بتعددية الرأي واختلافه لكن يجب أن تكون كل الآراء والتوجهات متفقة في خدمة هذا الوطن وان لا يكون العكس بان تكون هذه التباينات سببا في تعطيل مسيرته وعرقلة تقدم ، لايمكن لأي مجتمع يريد بناء نفسه وفق أسس جديدة مبنية على التقدم والديمقراطية ان يخطو للأمام دون إن يشخص الأخطاء بشجاعة ويضع الخطط المدروسة لتجاوزها والتغلب عليها وفق اسلوب عملي مدروس تشترك به كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية دون إغفال أي مكون أو تهميشه ، لان مبدأ الشراكة الحقيقي هو أن يتحمل كل الفرقاء الذين يمثلون عموم الشعب المسئولية في حركة البناء السياسي والتنموي . نعم حصل في العراق خلال السنوات الماضية تقدم اجتماعي، وتقدم ثقافي، وتقدم اقتصادي، وتقدم علمي، بالإضافة إلى الانفتاح والاتصال بالعالم الخارجي، عبر حرية السفر والإيفادات والبعثات، والتجارة الخارجية المفتوحة، كما إن هناك تقدما سياسيا أساسيا متمثل في استبدال سلطة مستبدة ومتفردة وناقمة بأخرى ديمقراطية توافقية متعددة، وأكثر من ذلك هناك حرية الفكر والرأي والعقيدة ، وبالتالي، فلا يمكن بكل حال من الأحوال أن نقارن عراق ما يسمى بـعراق ماقبل التغيير بالعراق الجديد ، لان ما يحدث في العراق اليوم هو نقلة تستحق الاحترام والتبني والمؤازرة. ولكن، هل تقدم العراق الجديد كان تقدما تصاعديا مرضيا للعراقيين ويشبع طموحهم ؟ الجواب كلا ، والأسباب تعود إلى قسمين قسم يتعلق بالتركة السياسة والاجتماعية والاقتصادية التي خلفها النظام السابق، فنهضة الشعوب تعتمد على درجة وقوة ومتانة البنية التحتية التي تمتلكها، ومعروف أن العراق زمن النظام ألبعثي لا يمتلك البنى التحتية التي تؤهله للتقدم والتطور، لان السياسة الهوجاء التي كانت نهج وسلوك النظام المقبور أدت إلى تدمير وتخريب كل شيء ، والسبب الأخر هو ما يرتبط بالظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي وضع بها العراق ولابد من تجاوز المعوقات لانها معوقات لنهوضنا وتقدمنا ..