مع أن الأخطاء التي أرتكبها بريمر في العراق قاتلة وشاملة، إلا أن تبنيها من الساسة العراقيين كان أضر وأفدح، وأن كل من دخل لعبة الحكم التي خطها الحاكم العسكري الأمريكي السابق شريكا في ذلك، لا تبرأه المناورة والمزايدات وأي عبارات أخرى من هذه الشراكة .
أن ما يُلفت النظر هو أن بريمر وبعد أن أخذت قضية العراق تُشغل من جديد حيزاً كبيراً في اهتمامات الشعب الأمريكي، وتُثير تساؤلاته، لجأ هو الأخر إلى سوق التبريرات للتغطية على فشله الذريع في رسم طريق صالح لأسلوب الحكم في العراق، متصوراً أن الذاكرة العراقية قد طمسها النسيان بفعل طوفان الإرهاب والتفجيرات والصراعات، التي ولدتها المحاصصة البغيضة، وفرضها بريمر من دون أن يلجأ إلى العقول النيرة في أدارة أمور البلاد، بدلاً من أيكالها إلى ممثلي الأحزاب والكتل، ولا ضير هنا أن تُمثل جميع الأطياف الكفوءة بهذا التمثيل، ولكن ليس إلى ساسة يفتقرون إلى فن أدارة الحكم أو السلطة، لأنهم يرتبطون بأحزاب وكتل كانت تعمل خارج الحدود بظروف وعلاقات غامضة مع دول المهجر.
في حديثه إلى صحيفة الشرق الأوسط برر قراره بحل الجيش العراقي بأنه " لم يكن هناك من جيش في الثكنات " . وهذا كلام صحيح يراد به غير ذلك، فالجيش العراقي المُحبط من الحروب العبثية المتكررة، كان قد أنسحب من ارض المعركة لعدم قناعته من جدوى هذه الحرب أولاً، ولكثرة ما تعرض له من هجمات قاسية من جيوش أكثر من ثلاثين دوله ثانياً، فوجد نفسه لا يملك ادوات إدارة زخم المعركة ومؤنتها، فأتخذ الضباط والجنود قراراتهم الطوعية بالتخلي عن سلاحهم والانسحاب إلى بيوتهم .
وعندما شُكلت اللجنة التطوعية المدنية لإدارة مدينة بغداد بعد السقوط مباشرة ( والتي يحاول كلاً من الأمريكان والساسة الجدد التعتيم على تفاصيل عملها والمبادرات المقترحة منها فأن التأريخ سيفعل ذلك بالتأكيد يوما ما ) طُرح موضوع إصدار بيان يُطلب فيه من الجنود والشرطة العودة إلى مواقع عملهم، ومعسكراتهم، والعمل على أيقاف عمليات النهب والسلب، التي طالت المعسكرات ومراكز الشرطة والمستشفيات والوزارات، رفض الضباط الأمريكان هذه الفكرة، وكان ذلك حتى قبل وصول جي كارنر إلى الكويت، وقال أحدهم ( الضباط ) : سنُطلق النار على أي شخص يرتدي الزي العسكري نراه في الشارع .
كان ذلك قبل وصول بريمر إلى بغداد بأكثر من شهر، وتكرر ذلك ( الدعوة ) إلى عودة الجيش في كل أحاديثنا مع السفير هاران المستشار السياسي لبريمر، والأدميرال ناش المسؤول عن أعادة الأعمار، والكولونيل كنك الضابط البارز في القيادة العسكرية الأمريكية في العراق، والذي كان لنا معه حديثا مطولاً عن ذلك بعد أسبوع من دخول القوات الأمريكية إلى بغداد، وبدلاً من ذلك عمدت القوات الأمريكية إلى جمع آلاف الدبابات، والمدافع، والعجلات العسكرية، والطائرات، وقطع السلاح الأخرى وتفجيرها، لدرجة أن أبناء بغداد والمحافظات الأخرى، كانوا يصيبهم الرعب من قوة هذه التفجيرات، التي تُعلن القوات الأمريكية عنها في بعض الأحيان، وكان المفروض من بريمر الاحتفاظ بهذا السلاح، وتجهيزه لمن يرغب بالعودة إلى الجيش، بدلاً من استجداء قطع سلاح بسيطة يضطر العراق إلى طلبها حالياً .
الحقيقة أن إجراءات الإمام الخميني في إيران بعد نجاح ثورة الشعب الإيراني ضد الشاه، قبل أكثر من عقدين على حرب الخليج الثانية، كانت محل دراسة ومراجعة من قبل المهتمين بمصير البلدان التي يحصل فيها زلازل سياسي وتغيرات جذرية، إذ أن الخميني لم يُصدر إي قرار بحل الجيش الإيراني آنذاك، وأكتفى بوضع البديل والرديف لحين إعادة البناء .
لقد وجه بريمر نصائح إلى داعش من حيث الاختفاء، والانتشار، وهذه مثلبة أخرى على موقفه من العراق، فضلاً عن أنه أشار إلى انهيار الهيكل السياسي للمنطقة، مع مضي حوالي مائة عام عليه، وليس سايكس بيكو فقط كما ذكر، وختم حديثه الى ان المنطقة تحتاج إلى سنين طويلة لإعادة تنظيمها ؟؟؟؟ وهذا ما أشار أليه الرئيس أوباما وكاميرون وغيرهم من القادة الغربيين، وهو ما يُنذر بالكارثة !!! .
مقالات اخرى للكاتب