بسم الله الرحمن الرحيم
انَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ.
صدق الله العلي العظيم { آل عمران 21-22}}
المقدمة
التاريخ الحسيني أصبح رهينة بين التنازعات والتجاذبات السياسية ,تتبناها دول وحكومات , وتنفذها مؤسسات إعلامية , لان الملحمة التي سطرها أبو عبد الله عليه السلام يوم عاشوراء تركت آثارا كبيرة وشرخا في صفوف الأمة , لم تندمل الجراحات والآهات إلى يومنا هذا, وأنتجت شعارات وراءها مواقف وتضحيات " يا لثارات الحسين " وشعار " الرضا لأل محمد " و" لبيبك يا حسين " وما نتج بعد من معارك ودماء وقتل , هذه كلها تطلبت من الدولة الأموية أن تلملم المواقف المخزية التي قامت بها لتؤسس دولتها على الدماء الطاهرة من آل البيت {ع} وشيعتهم ..
فقامت بأكبر صفقة في التزوير وقلب الحقائق التاريخية , بإلقاء وزر الجريمة على شيعة العراق خاصة, واعتبار مواقفهم انهزامية وعدم ثباتهم على ارض صلبة وموقف مبدئي هو السبب فيما حدث للعترة الطاهرة , بهذه الكذبة الكبرى حاولت أن تطعن بالتضحيات الشيعية والدماء الزاكية التي قدمها الشيعة في يوم كربلاء وما سبقه وما تلاه.. فلا غرابة أن نسمع من المنابر الحسينية لغاية يومنا هذا من يدين شيعة العراق " الكوفة والبصرة" واعتبرت الطغمة التي قتلت الحسين {ع} وأصحابه يوم عاشوراء , بريئة من دم الحسين {ع} وقدمت جهات ساندة كبش فداء للعن والطعن , ضحت بجهات ليس لها علاقة وصلة رحم بالسلطة الأموية ولا منصب سيادي لهم في الدولة , بل اعتبرتهم من شيعة أهل البيت {ع} مثل شبث بن ربعي وحجار بن ابجر وعمر بن الحجاج الزبيدي وغيرهم ..هكذا ورثنا التاريخ ..!
هكذا ورثنا ثورة كربلاء وتراثها , فهي بالقدر الذي أعطته من مواقف تنحني الهامات لأجلها وتدمع العيون لماساتها , إلا إنها لا تخلو من الحذر في الانجرار إلى التاريخ الحسيني وما فيه من روايات تحتاج إلى إعادة ومناقشة بسبب ما حدث في كتابة التاريخ الإسلامي عامة , والتاريخ الحسيني خاصة..
بذلك دخل التاريخ الحسيني في نفق خطير يتطلب إعادة دراسته وتمحيص الروايات ومحاكمتها لعدم الاطمئنان لجميع ما جاء في تاريخ ثورة الحسين عليه السلام..
وقد قدمنا في العشرة الأولى من عام 1435 هجرية -2013, ثلاث محاضرات على المنبر الحسيني في البصرة عن الأدوار التي كتب فيها التاريخ الحسيني , وتاريخ التشيع , ومجريات المعركة العظيمة التي قادها الحسين {ع} في العراق , والرقعة الجغرافية التي امتدت عليها الثورة والجهات التي شاركت فيها , المدن والعشائر والفترة التي امتدت أكثر من يوم عاشوراء فقط , غير أننا نعتقد جازمين إن الآثار التي نعالجها في هذا التاريخ ليست سهلة وذلك لعدة أسباب .. أهمها ...
1- تناثر الروايات الصحيحة في عدد كبير من الكتب التاريخية وبشكل قليل مما يتطلب مراجعة كتبا كثيرة من مصادر التاريخ لاستخراج رواية صحيحة يمكن الاعتماد عليها في هذا البحث.
2- التاريخ الحالي للثورة الحسينية ترسخ في أذهان الأجيال الماضية والتي تلتها , منها الجيل الحالي , وهذا يجعل المتلقي ينظر بعين الريبة للطرح الجديد , رغم قناعة الأغلبية بتزوير التاريخ الحسيني ...
3- عدم وجود شواهد وآثار للتاريخ الذي نتناوله , حيث المرقد الحسيني الطاهر يحتوي الشهداء الذين تذكرهم المقاتل الحسينية , ولا اثر للأطروحة الجديدة .. سوى العقل والإقناع بمحاكمة الروايات ,
4- التاريخ الحسيني ورواياته انتظمت بقصائد ونعي ولطميات بشكل متناسق مع الرواية , ولذا لا يمكن لأي خطيب حسيني أن يتناول التاريخ الجديد { الصحيح} لأنه يخلوا من أي قصيدة قريض أو شعبية .
كل هذا لا يمنعنا أن نسعى بجهد وهمة عالية لاستخلاص التاريخ الحقيقي للثورة الحسينية , بحقيقتها التي سطرها أبو الأئمة وسيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام .. واستخلاص الحقيقة من الكابوس الإعلامي الأموي الذي نجح بشكل ملفت للنظر في صياغة الثورة الحسينية وفق نهج يرعى فيه مصالح السلطة التي نفذت الجريمة في قتل سليل خاتم النبوة وحمل نساءه على اقتاب الجمال يطوفون بهن من بلد إلى بلد ..
هذه الأسباب هي التي دفعتني لتقصي الحقائق والتنقيب في بطون المصادر , لاستخلاص الجهاد الشيعي وما قدمه من تضحيات كبيرة في نصرة سيد الشهداء عليه السلام .. والله من وراء القصد ...
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
12 ربيع الأول 1435 هجرية
البصرة 13/1/2014 ميلادي
مقالات اخرى للكاتب