بدون مؤاخذة- ثقافة التخلف والجهل وراء تدافع الحجّاج
من سبق له زيارة منطقة منى التي جرى فيها تدافع الحجّاج ممّا أدّى إلى وفاة 769 شخصا منهم واصابة مئات آخرين، لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء ليقف على أسباب ذلك، فالخطأ ليس في المكان، ولا في التّنظيم بمقدار ما هو في الحجّاج أنفسهم، فآلاف الحجّاج خصوصا المسنّين منهم يعانون من عجز ما، بعضه اعاقات حركيّة، وهم من جنسيّات مختلفة متفاوتة في ثقافتها ووعيها وفهمها لكيفيّة آداء مناسك الحجّ، ومنهم من لا يحترم النّظام والتّرتيب، ويبدو وكأنّه في سباق مع غيره معتمدا على قوّته البدنيّة، ولا يحترم ضعف الآخرين، وهذا يظهر جليّا في شعائر الحجّ المختلفة، بما في ذلك الطّواف حول الكعبة، ولك أن تشاهد عجائز ذكورا واناثا يجلسون في صحن الكعبة المخصّص للطواف، وغالبيّتهم من المسنّين، يمدّون أرجلهم ويجلسون ساعات طويلة، ومنهم من يعتمد على قوّته البدنيّة ويدفع الآخرين بعنف أثناء الطواف وقرب أستار الكعبة، وللأمانة فإن الأمن السّعوديّ المسؤول عن مناسك الحجّ يتحلّى بأخلاق عالية جدّا قلّ مثيلها، وهذا ما شاهدته في موسم الحجّ عام 2009، أنا والوفد الثّقافيّ الفلسطينيّ، وقد رأيت بأمّ عيني حجّاجا يدفعون رجال الأمن السّعوديّ، وكانوا يردّون عليهم دون استعملهم لأيديهم "هداك الله يا حاجّ لا تؤذي نفسك ولا تؤذي غيرك."
ومكان رمي الجمرات مؤهّل لجميع الحجّاج بدون تزاحم لو احترم الحجّاج ذلك، كنّا في منى في مقصورة وزارة الثّقافة السّعودية ضمن وفد من 96 شخصا، وهو بجانب الدّور الرّابع من رمي الجمرات، والأدوار متشابهة، وهي على شكل حذوة الفرس، وبعرض 80 مترا، يدخل الحاجّ من يمينها ويخرج من يسارها، وكان الحجّاج المتواجدون في الدّور الرّابع لا يصل عددهم إلى بضع مئات، لأن الآخرين وهم بمئات الألوف كانوا يتدافعون ويتزاحمون في الدّور الأوّل والثّاني، ولو قاموا بذلك من الدّورين الثّالث والرّابع لما كان هناك تدافع، ولأدّوا الشّعيرة بيسر وسهولة، وهذا لا يكلّفهم سوى مشي عشرات الأمتار، لكنّ الجهل والتّخلّف وعدم احترام النّظام هو ما يقودهم إلى التّزاحم والتّدافع.
ووجود ملايين الأشخاص في مكان واحد وزمان واحد هو بحدّ ذاته عبء كبير، والسّعوديّة تستفيد من تجربة كلّ عام، وتعمل على تحسين الأوضاع والتّسهيل على الحجّاج بشكل دائم، وتقدّم خدمات ظاهرة للحجّاج بطريقة لافتة، منها نشر آلاف السّيارات التي تحمل الماء البارد ووجبات الطّعام وتوزعها على الحجّاج مجّانا، ومنها الخدمات الطبّيّة المجّانيّة.
وقد نختلف مع السّعوديّة في أشياء كثيرة، لكن ليس من الانصاف تجاهل دورها في خدمة الحجيج وتسهيلاتها لهم. لكنّها بالتأكيد لا تملك القدرة على تثقيف ملايين الحجّاج القادمين من كافّة أصقاع الأرض، كي يحترموا النّظام، ومنعهم من التّدافع كي لا يؤذوا بعضهم.
مقالات اخرى للكاتب