في الكوارث الطبيعية التي تحل ببلد ما، بل حتى في الكوارث والحروب التي يصنعها الإنسان بنفسه وبأبناء جنسه يهب المجتمع الدولي لمساعدة الدولة المنكوبة، سواء طلبت المساعدة (Help) أو لم تطلب. ولأجل هذا أعطت الكثير من الدول لنفسها الحق في التدخل بالشأن العراقي خلال العمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة والمسماة بعملية تحرير العراق لإسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 باعتبار أن التخلص من نظامه الدموي سيسهم في استقرار المنطقة كما قيل حينها.
لكن العراقيين ولأسباب "أرى الشرح فيها والحديث يطول" اعتبروا الوجود الأمريكي في العراق سلبيا، ولهذا كانت المطالبات بخروجهم، بل وكان الاحتفال بيوم مغادرة آخر جندي أمريكي أرض العراق.
لم يكن الجيش العراقي قد وقف على أقدامه في العدة والاستعداد، مع أن أعداده من الواسطات والدمج كبيرة، ولم تكن شرطة العراق مستعدة للوقوف أمام إرهاب القاعدة ذي الخبرة الاستخبارية والتنظيمية العالية، فالشرطي العراقي لم يكن قد اعتاد على أكثر من الاعمال الروتينية في اصطحاب الموقوفين وبعض عمليات إلقاء القبض العادية.
لم يلتفت العراقيون خلال ثماني سنوات "الاحتلال" إلى بناء علاقات مع الولايات المتحدة كدولة عظمى تحلم كل الدول المتحضرة بأن تبني معها علاقات مختلفة، ولم يخطر ببال العراقيين أن يطلبوا من الولايات المتحدة الأميركية المساعدة لا في مجال الأمن عدة واستعدادا في الجيش والشرطة والاستخبارات وحسب، بل حتى أنهم رفضوا المساعدات الأمريكية في مجال كمبترة (عمل الكمبيوتر) المؤسسات المصرفية التي ما تزال تستخدم الوثائق الورقية.
ومرت السنوات العشر بعد إسقاط نظام صدام حسين، وهاهم العراقيون يتخبطون في حياتهم بدءاً من شوارعهم التي تفتقر إلى بنية تحتية تحتمل قطرات المطر، إلى مجال التعليم والتجارة والصناعة والزراعة والصحة والإعلام والعلاقات الدولية. هاهم العراقيون يتخبطون في معرفة كيف يديرون دولتهم ويديرون أمنهم، ومواردهم النفطية، والبشرية والرياضية والفنية والدينية والمعرفية، لكنهم في الوقت نفسه مصرون على خلط الأوراق والاستنجاد مرة بالصحوات ومرة بالعشائر، ومرة بدفع المال لهذه الفئة أو تلك لاصلاح أضرار هي أكبر من تعالج بقدرات محلية وأفدح من أن يتمكن غير الكفوئين في إدارة الدولة من علاجها.
لهذا بات الوقت أكثر إلحاحا على العراقيين في أن يشركوا المجتمع الدولي في مساعدتهم للخروج من محنتهم التي تطحنهم ماديا ومعنويا، ولا ضوء في آخر النفق العراقي يبشر بأن العراقيين سوف يتمكنون من تصحيح مسارهم بأنفسهم ولا بإمكاناتهم البدائية والعشائرية.
لينفتح العراق من اليوم وبشكل مدروس على الدول والمؤسسات العالمية الرصينة في مجال التعليم لتطوير مناهج الدرس الابتدائي والحث العلمي العالي على حد سواء! لينفتح العراقيون على الأمم المتطورة في مجال البناء والعمران لإعادة بناء ما هدمته عقود من التخلف وراء ركب الحضارة. لتنفتح دواويننا الاقتصادية ومؤسساتنا البنكية على المؤسسات العالمية ذات الخبرة والدراية في اختصاصها من أجل تطوير الكوادر العراقية وتأهيلها لتكون عونا للعراق على النهوض من كبوته المزمنة، ومن أجل ان تكون الكفاءات العراقية معينا للسلطة التشريعية والتنفيذية في اتخاذها القرارات الصائبة، وتنفيذ المشاريع بشكل أحسن وأدق.
أيها المجتمع الدولي، أيتها الدول الشقيقة والصديقة أنقذوا العراق من تخلفه، وأعينوا العراقيين على فهم أنفسهم، فالعراقيون عاجزون عن إنقاذ بلدهم بمفردهم. النجدة .. أنفذوا العراقيين!