هل ان الاولوية في الاصلاح الآن هي لترميم علاقات العراق الخارجية، أم لترميم الوضع السياسي الداخلي؟. لا أحد يشك في أهمية كليهما لكن من أين تكون البداية؟.
الاكيد ان الهدف النهائي هو ترميم الخراب الكبير الذي تعاني منه الساحة الداخلية، والاكيد أيضا ان مصلحة البلاد هي الاولوية، لكن ذلك لا يعني ان تكون عملية الاصلاح الخارجي أولوية متأخرة. كلاهما مترابطان، وهو ترابط ناتج عن خصوصية الوضع العراقي بعد العام 2003 وتحول العراق الى مسرح لصراع القوى الاقليمية والدولية بأدوات عراقية.
ما من شك في أن أكثر من نصف الحل للوضع الداخلي يأتي من الخارج الذي هو مصدر التحريك للقوى الداخلية التي تشكل بيئة سياسية تتولى خلق بيئة اجتماعية حاضنة للتدخل الخارجي في خلافاتها حول المصالح والمكاسب والنفوذ. هكذا هو المشهد الاجتماعي والسياسي العراقي منذ أكثر من عقد من الزمان.
لا يمكن الاقتصار في البداية على التحرك باتجاه الخارج وترتيب علاقاتنا مع الدول، خصوصا الدول المتدخلة، بل يحتاج الامر الى تحرك متزامن على كلا الصعيدين الداخلي والخارجي. في الداخل بهدف سلب الحاضنة ما أمكن، وفي الخارج لوقف التدخل وتسخير الاوراق الداخلية ما أمكن. تجربة أكثر من عشر سنوات كافية لإثبات ان العزلة عن الخارج كانت في غير صالح العراق، فهي خروج على سنن التعايش بين الدول خصوصا الجارة، فضلا عن تأثيرها السلبي على الوضع الداخلي. كما ان هذه المدة كافية أيضا لخلق قناعة داخلية بأن العراق بتناقضاته الداخلية العميقة، لن يستقر إلاّ بركون الجميع الى تنازلات متبادلة، والى ترك منطق "كل شيء لي ولا شيء لك" الذي لا يعني سوى السير نحو التمزيق والتقسيم القاسي والدامي وليس الناعم.
وحيث أن العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح، فان العراق بحاجة الى خلق مصالح للآخرين من شأنها ان تنتج علاقات طبيعية أقل مفاعيلها عدم التحريك ضد العراق، وعدم العبث بأمنه واستقراره. المصالح قد تكون اقتصادية أو سياسية أو أمنية، وفي العراق الكثير مما يشكل مصالح للآخرين، أو الكثير مما يشكل مصلحة مشتركة مع دول اخرى خصوصا المجاورة، ناهيك عن القوى الدولية المؤثرة بشكل كبير في الواقع المحلي والاقليمي. للمثال: تركيا لديها هاجس الطاقة، لم تحصل عليها من بغداد بسبب توتر علاقاتها معها فلجأت الى إقليم كردستان، خارقة السيادة العراقية، وموفرة ادوات الاستقلال الذي كانت ترفض حتى الحديث عنه لأنها تراه سابقا يهدد امنها الداخلي. لم تكن لدى المعنيين في بغداد آنذاك المرونة لكي يوظفوا حاجة أنقرة، الى عامل تطبيع للعلاقات معها، كما فعلت إيران التي تتقاتل مع تركيا بالنيابة، على الساحة السورية، إلا انها أبقت على تصدير النفط والغاز اليها جسراً للتواصل، وأداة لتبريد الخلاف. مع الولايات المتحدة كنا نحتاج الى إدارة علاقاتنا معها على قاعدة المصالح المشتركة والمتبادلة. نحتاج منها الكثير وبالطبع هي تريد مصالح لها مقابل ذلك. إيران تسعى الى مصالحها كما باقي الدول، وهو حق لها، وعلينا نحن ان نسعى لمصالحنا أيضا.
من أسباب مآسينا أن عراقنا بات ساحة لصراع الآخرين. لذا فان مصلحتنا الكبرى تكمن في تطبيع علاقات الآخرين فيما بينهم وليس فقط علاقاتنا بهم. وهناك بوادر خير في هذا الاتجاه. الرئيس فؤاد معصوم سمع من نائب الرئيس الاميركي جو بايدن كلاماً مطمئناً :"إبلغوا الايرانيين بأننا لا نريد بهم سوءاً فليس لدينا معهم سوى الملف النووي". والدلائل تشير الى ان هذا الملف في طريقه الى الحل. وزير الخارجية الاميركي
جون كيري طلب من السعوديين:" طبّعوا علاقاتكم مع إيران". ولو حدث ذلك فان الكثير من مسببات مشاكلنا سيتلاشى
مقالات اخرى للكاتب