بات من المؤكد إن العد التنازلي لاتساع رقعة الحروب المتفجرة في الشرق الأوسط يقترب الآن من ساعة الصفر المشؤوم، فبعد أن كانت أمريكا بأوكارها التجسسية المئوية، وقواعدها الحربية المنتشرة على شواطئ الخليج العربي، هي القطب المسيطر على مسرح الأحداث، تمر اليوم بأضعف أيامها بعد أن أرهقتها مشاريعها التوسعية في المنطقة، الأمر الذي فتح الأبواب على مصاريعها لكبار أعضاء النادي الدولي التوسعي، فوجد الدب الروسي نفسه هو المرشح الأقرب لولوج حلبة المنازلة الكبرى، التي باتت وشيكة الوقوع بين ليلة وضحاها، إن لم تكن أجراس جولتها الأولى قد بدأت بالقرع المتواصل، وهكذا اعتمر الدب الروسي خوذته الفولاذية، وقرر ترصين جبهاته القتالية لمواجهة خصومه الجدد في الشرق الأوسط، وربما وقع اختياره على تركيا ثم قطر ثم السعودية، حسب أولويات هواجسه المسقوفية. بدرجات متفاوتة من حيث الشدة والحدة والعنف، ولأسباب سنأتي على ذكرها باختصار، فالرئيس (بوتين) الذي كان يترأس جهاز المخابرات الروسي (KGB) لسنوات طويلة. يميل لخوض حروبه في خندقين متوازيين. أولهما المناوشات التعبوية التقليدية المباشرة، مستعيناً بقوته البحرية الجبارة، وقواعده الصاروخية الضاربة، وثانيهما عناصره المخابراتية بما يمتلكه من خبرات متراكمة تؤهله لزعزعة استقرار الأوضاع الداخلية لبلدان خصومه، وما سقوط المقاتلة الروسية بصواريخ الأرضيات التركية إلا إعلان مبكر لتلك الحرب الطويلة، فتسارعت الأحداث في غضون بضعة ساعات، ووجد الدب الروسي نفسه مطالباً بتجهيز حزب العمال التركي بكل ما يحتاجه من أسلحة قتالية فتاكة.
سقطت طائرة روسية مقاتلة، كانت في طريقها لدك أوكار الدواعش. جاء سقوطها بنيران تركية، فأعاد إلى الأذهان الاتهامات الموجهة ضد قطر بإسقاط طائرة الركاب، التي أقلعت منذ أسبوع من شرم الشيخ، وراح ضحيتها (224) شخصاً، فالدعم القطر والتركي اللامحدود للمعارضة السورية المسلحة، وتكفلهما بدعم الدواعش من أجل إسقاط النظام السوري، جاء بسبب رفض بشار مشروع ربط خطوط أنابيب (نابوكو) عبر ربوع الشام، ومن ثم إلى هضبة الاناضول، ولم يكن له أن يصل إلى هذا المستوى من التورط، لولا رغبات أصدقاء قطر بمنافسة الغاز الروسي. من ناحية أخرى يبدو أن الدب الروسي لا يستطيع نسيان الدور السعودي في هزيمته على يد فلول قندهار وكورا بورا في افغانستان، وتبنيها دفع الفواتير المليارية لكل التنظيمات المسلحة، التي شاركت في مواصلة الضغط عليه داخل حصونه الشيشانية. فجاء التهديد العنيف الذي وجهته موسكوا رسمياً عبر صحيفة (برافدا) ضد معسكر التحالف الثلاثي بين تركيا وقطر والسعودية، ولوحت فيه لاحتمالات دخولها في حرب انتقامية مباشرة، ستجر المنطقة برمتها نحو صراع طويل، تختفي فيه قطر من خارطة التهور البترولي، وتنتهي بتقسيم الشرق الأوسط، وربما تؤدي إلى ظهور دويلات طائفية هزيلة متنافرة. لكن الفضائيات العربية لا تدري بما يدور حولها، لأنها لا تقرأ الصحف الروسية، ولا تجيد اللغة المسقوفية، ولا تستطيع فك شفرتها.
مقالات اخرى للكاتب