شاءت الأقدار أن يجاورني في تسعينات القرن الماضي محام شغوف - لأسباب لا أعلمها حتى الان - بالترافع في القضايا الشائكة ، وكان بعيد انتهائه من المرافعات يقضي شطرا من وقته عندي مستمتعا بـ - قهوة نوى التمر المطحون - بالسكر الأسمر وخبز النخالة أيام الحصار الغاشم الذي قتل مليون وربع المليون عراقي من دون رفع دعوى قضائية واحدة ضد اميركا ومن والاها حتى اليوم ، كنا نتحلق حول الفانوس بضوئه الخافت الذي ينفث من الدخان الأسود ما يكفي لتحويل وجه كل منا الى - مايكل جاكسون - قبل تبييض البشرة ، ليبدأ المحامي المخضرم بسرد وقائع الجلسات العجيبة التي يترافع فيها ، وأذكر أنه ترافع يوما لصالح شخص ادعى النبوة شمالي العراق ولم يجد في ذلك غضاضة !! فقلت له - 1000 رحمة على والديك بس كلي هذا شلون دافعت عنه ؟ قال " اقنعت القاضي بأنه مصاب بالجنون فأنقذته من حبل المشنقة !!! ".
المسلسل العراقي القميء وعلى ما يبدو بدأ يعرض وبنجاح ساحق في مصر الحبيبة .. مصر التي في خاطري وفي فمي ، أحــــــبها من كــــل روحي ودمي .. ففيما ينشغل المصريون بقوت يومهم ، وتفاقم معدلات البطالة وانهيار قيمة الجنيه أمام نظيره الأخضر ليصل الى 17 جنيها للدولار الواحد وما يرافق ذلك من احتكار وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والصحية والإنشائية والمواصلات والتعليم ووو، تماما كما حدث مع شقيقه العراق أيام الحصار الجائر حين انخفض الدينار فجأة أمام الدولار لينهار معه كل شيء وليترنح اليوم بين 126 - 130 دينارا لكل دولار بعد ان كان في عقد الثمانينات = 3 دولارات وربع .
في ظل هكذا أزمات مهلكة تفتك بالمصريين فتكا لابد من اطلاق مفرقعة - بل قل مفرقعات - مهمتها صرف انظار الجماهير عن الكارثة الحقيقية التي تحيق بهم وبمستقبلهم من كل حدب وصوب ولعل الشيخ - ميزو - او محمد عبد الله نصر احد ابرز ابطال المفرقعات وصناعتها ، الشيخ الذي لم يجد حرجا من التقاط صور له وهو يتناول – افطار رمضان - على مائدة رئيسة الطائفة اليهودية في مصر ، ماجدة هارون، في معبد "شاعار هاشامايم"، وسط القاهرة، عام 2014 على قول صحيفة " المصريون " .عصير - عفوا - شيخ ميزو الأزهري اصدر بيانا قبل أيام إدعى فيه انه " المهدي المنتظر" وعلى الجميع مبايعته فانتفضت مصر كلها ونسيت مأساتها الحقيقية وانشغل الجميع بالمعمم المثير للجدل ومهديته المزعومة واخذت الفضائيات تستضيفه تباعا ليفند عبر شاشاتها خروج المهدي وظهوره جملة وتفصيلا تارة وليثبته في بيان المبايعة الذي نشره على صفحته الشخصية في موقع التواصل "فيس بوك" تارة اخرى، مدعيا انها فرقعة أراد منها إحراج الإعلام واختباره وصولا الى نفي وجود المهدي او ظهوره كلية ، وعندما سأله وائل الأبراشي ، وماذا لو أحالوك الى مستشفى الأمراض العقلية ؟ أجاب من دون حرج ( أقبل بشرط ان يدخل معي كل من يدعي بأن المهدي مختف في السرداب !!) على حد وصفه ، منكرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( المهدي مني ، أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، كما ملئت ظلماً و جوراً ، و يملك سبع سنين ).لقد نجح ميزو في لفت انظار المصريين بادعائه المهدوية، ولكن الى متى ؟ وأقول لأشقائي المصريين ان المفرقعات الإعلامية ستكثر جدا في غضون الأيام المقبلة فلا تقعوا بالفخ فأنا لا أقول كما زعم الكثيرون بأن هدفه هو لفت الأنظار اليه وتحقيق شو إعلامي بعد انحسار الأضواء عنه مطلقا ، وانما إمتثالا لأوامر مباشرة صدرت له لأشغال الرأي العام عن مأساته الحقة تماما كأوامر أخرى اتوقع صدورها لآخرين ولنفس الغاية سيفاجئونكم بها في القريب العاجل بما لم يسمع به آباؤكم من قبل، ولا استبعد ظهور مدعي نبوة وولاية وربوبية وامثالهم ، مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله" ، المسلسل العراقي يستنسخ نفسه مصريا وبقوة ولو كان جاري المحامي على قيد الحياة ربما سيترافع عن - ميزو - ليحدثني عن تفاصيل القضية ليلا كما كان يفعل من قبل مع انه لم يترافع في قضية واحدة ضد قتلة الشعب العراقي في حياته قط ، او أنه سيترافع ضده بعد تناول علبة من عصير " راني " المحلي الذي يعشقه ليثبت ظهور المهدي قضائيا وشرعيا بخلاف ما يدعي منافسه ..ميزو المصري .اودعناكم اغاتي
مقالات اخرى للكاتب