إذا كان الألتزام باحترام الحقائق الديموغرافية والجغرافية والأحصائية الرسمية الصائبة (غير المشوّهة قبل سقوط النظام البعثي العنصري وبعد سقوطه أيضاً أي منذ العام 1975 ولغاية العام 2010) بخصوص التعداد السكاني العام في جميع محافظات العراق من دهوك الى البصرة واجباً أساسياً لأستنتاج بيانات دقيقة ومعلومات صحيحة بشأن كل ما يتعلق بهذه العملية الضرورية وقبل كل شئ للتخطيط والتنمية في البلاد باسرها، فانَ إحترام تلك الحقائق فيما يتعلق بمحافظة كركوك هو أمر لابد منه لأنجاح العملية في هذه المحافظة بالذات أي للخروج بنتائج صحيحة عبر طريقة مُنصفة، تستند الى إحترام الحقائق الثابتة بشأن التركيبين السكاني والأداري لمحافظة كركوك الأصلية قبل العام 2003 وبعده، وليس فقط عبر المطالبة بتاجيلها هناك بحجّة التغييرات السكانية للكورد المزعومة من قبل الكتلة العربية وممثلها في القائمة العراقية (السيد عمر الجبوري) بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003، أي لابد من مراعاة الواقع قبل تجزئة محافظة كركوك وتقسيمها أيضاً، حيث تمّ تصغير مساحتها من حوالي 20000 كم2 الى حوالي 10000 كم2 من قبل النظام البعثي في 1975 و76 لأسباب عنصرية تتمثّل في تقليل نسبة السكان الكورد الأصليين للمحافظة بُغية تعريبها بسبب نفطها (وهي حقيقة صارخة لايمكن إنكارها وجريمة فظيعة بحق السكان الأصليين لمحافظة كركوك خاصة والشعب الكوردي في العراق عامةً لايجوز تجاهلها بالبساطة التي يعتقدها السيد الجبوري وأمثاله) أو جرى هذا الغدر لأسباب سياسية كما يُسّمى في الدستور الدائم، وقد تجسّد الأجراء البعثي الغادر في إستقطاع قضائين جميع سكانهما هم من الكورد - وفقا للأحصاء العراقي الرسمي للعام 1957 المُعتبر (وهما جمجمال وكلار) وقضائين غالبية سكانهما هم من الكورد 54% و53% وفقاً لنفس الأحصاء (أي طوزخورماتو وكفري)، وعن طريق فصل ناحية الزاب التابعة أصلاً لقضاء الشرقاط الذي يعتبر الآن جزءً من محافظة صلاح الدين وضمّها بجميع قراها وكامل سكانها العرب الى محافظة كركوك المصغرّة في العام 1984 بهدف زيادة نسبة السكان العرب في محافظة كركوك على حساب سكانها الأصليين فيها، الكورد بالدرجة الأساسية و التركمان والكلدان والآشوريين بالدرجة الثانية، وكذلك عن طريق بناء حوالي 50 حياً سكنياً جديداً في مدينة كركوك لأستيطان العرب الوافدين من وسط وجنوب العراق بتحريض وتحفيزات النظام البعثي بين أعوام 1968-90 إبتداء من أحياء العروبة والبعث وصدام ومرورا بأحياء قرطبة وغرناطة وعدن وانتهاءً باحياء العمل الشعبي ودور الأمن والحي العسكري، ناهيك عن الترحيل والتشريد المستمرين طيلة فترة تسلط البعث للسكان الكورد والتركمان بمختلف وسائل القمع والأضطهاد، خاصة من مركز مدينة كركوك وقرية البشير، فهل يتذكر السادة عمر الجبوري وراكان الجبوري وتورهان مفتي وغيرهم من ممثلي الكتلتين العربية والتركمانية في مجلس محافظة كركوك (المصّغرة) هذه الوقائع والحقائق؟ هل بامكانهم تجاهلها عند مطالبتهم بتاجيل عملية الأحصاء في محافظة كركوك والتاكيد على "زيادة غير شرعية للكورد بعد العام 2003" فقط؟ وماذا عن الحقائق المذكورة أعلاه بشأن التغييرات السكانية والأدارية الظالمة قبل 2003 والتي ينعتها الدستور بغير العادلة ويستوجب تصحيحها؟ أم أن المجموعتين تتفقان من جديد ضد التركيب الأداري الأصلي للمحافظة وضد السكان الكورد لمحافظة كركوك ومن ضمنهم المشردين العائدين الى ديار آبائهم وأجدادهم، بغية تشويه الحقائق الجغرافية والتاريخية والأحصائية الدامغة لمحافظة كركوك الأصلية الممزقة والموزعة بين المحافظات المجاورة (السليمانية وصلاح الدين وديالي) لأسباب سياسية مشتركة في الوقت الحاضر؟ وماهو رأيهم بالمناسبة حول زيادة السكان العرب في قضاء الحويجة ونواحيها الجديدة في عهد البعث وبعد العام 2003؟ وكذلك بخصوص السكان العرب الوافدين من خارج محافظة كركوك والساكنين لحد الآن في الأحياء السكنية (المستوطنات) المذكورة والمبنية لهم من قبل النظام البعثي بقصد التغيير السكاني المُجحف لمدينة ومحافظة كركوك؟ فمسألة كركوك تشمل محافظة كركوك الأصلية برمّتها ديموغرافياً وجغرافياً وليست فقط مركزها أي مدينة كركوك أو بعد العام 2003 فحسب، كما يتصورها البعض!
وهنا نتوجه بأسئلة مهمة للمسؤولين الكورد في حكومة إقليم كوردستان وبرلمان كوردستان والكتلة الكوردية في مجلس محافظة كركوك (في حدودها الأدارية المبتورة الحالية): لماذا لاتقومون بتوضيح هذه الحقائق وتثبيتها ببيانات رسميية للرأي العام العراقي والعالمي–كما فعل الكتلتان العربية والتركمانية- بهذا الشأن؟ وأين دور الأعلام الكوردي، خاصة القنوات الفضائية المتعددة، بخصوص هذه المسالة الحيوية والحسّاسة لأيضاح الحقائق بالأدلة والمستمسكات؟ وماهو رأيهم بصدد إحصاء سكان الأقضية الأربعة المُستقطعة من محافظة كركوك من قبل النظام البعثي، هل سيُعتبرون جزءً من سكان محافظة كركوك كما كانوا فعلاً أم من سكان المحافظات الموزعة عليها؟ وماذا بشأن سكان ناحية الزاب المُلحقة بمحافظة كركوك من قبل النظام البعثي، هل سيعتبرون جزءً من سكان محافظة صلاح الذين كما كانوا فعلاً قبل الضم أم سُيعتبرون من سكان محافظة كركوك برحابة الصدر؟ لأن نتائج هذا التعداد السكاني ستكون حاسمة ومصيرية بصدد ليس فقط الهوية الجغرافية والتركيب الأداري والتنظيم الفيدرالي لمحافظة كركوك المغدورة المشّتتة والمبتورة، بل بصدد مصير ومستقبل دولة العراق الأتحادية برمّتها، لأن أي غدر إضافي بحق التركيبين السكاني والأداري لمحافظة كركوك سيؤدي الى كارثة لايُحمد عقباها، لأنه سيسبب في إثارة غضب الكورد الساكتين لحد الآن والذين ينتظرون بفارغ الصبر حل مشكلة الغدر المُلحق بمحافظة كركوك الأصلية وسكانها الأصليين أو بالأحرى حل هذه العقدة المستعصية في القضية الكوردية في العراق قانونيا أي سلميا، وذلك بالأستناد الى الحل الوسط المتمثل في المادة (140) من الدستور العراقي الدائم. والأحصاء الصائب في محافظة كركوك (الأصلية الدستورية) وفي (المناطق الأخرى المختلف عليها إداريا) يجسّد المرحلة الثانية من مراحل تطبيق هذا الحل الدستوري السلمي بعد مرحلة التطبيع، ويؤثر بدرجة كبيرة في سير ونتيجة المرحلة الثالثة والأخيرة المتجسدة في إستفتاء جميع سكانها الأصليين حول التبعية الأدارية لمحافظتهم ومناطقهم في المستقبل، وهو المدار والمحك لضمان نجاح تطبيق الحل الدستوري السلمي لهذه المشكلة الكبيرة والمزمنة. لذلك لابد من تنفيذ عملية الأحصاء بتفاهم وتعاون وقناعة جميع أطراف وأطياف العراق بسلامة نهج وعدالة خطة تنفيذها إضافة الى وضوح جدواها، وباشراف عدّادين نزيهين ويصورة متكافئة من كل المكونات القومية والدينية، وبمراقبة مراقبين دوليين محايدين وهذا شرط لابد من تنفيذه عند اجرائه لضمان النزاهة وتامين المصداقية لجميع الأطراف. لذلك على الأجهزة المختصة وذات العلاقة في الحكومة الأتحادية وحكومة إقليم كوردستان وفي مجلس النواب العراقي، وفي مجلس محافظة كركوك (في حدودها الأدارية الحالية) وفي مجالس جميع الأقضية الأصلية لمحافظة كركوك (في الحدود الرسمية والشرعية لعام 1975) أن يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتقهم: بغية إنجاح عملية الأحصاء العام في جميع انحاء البلاد وضمان وحدة واستقرار واعمار العراق وإنقاذ أهاليه من الأرهاب والفساد والتمييز والتناحر، وذلك بتجنب إهمال حقوق ورأي الآخر أو استفزازه والأبتعاد عن المتاجرة بالمشاعر القومية والدينية والمذهبية والعشائرية في سبيل نجاح العملية السياسية، خاصة في مخاضها الحالي العسيرة، لبناء عراق إتحادي مستقل مستقر ومزدهر.
مقالات اخرى للكاتب